السبت، 25 يناير 2014

القبيلة وأخواتها في الإسلام

يقرر حكماء الفلسفة وروادها طابع المدنية بالاجتماع البشري ويعبرون عن هذا الدافع بأنّه ضرورة لا تستقيم الحياة - على شكلها الطبيعي - دونها، كما ينظر علماء مقاصد الشريعة الإسلامية إلى هذا المفهوم بأنّه أحد المفاهيم التي دعت الشرائع - السماوية - إلى المحافظة عليه وتجنب الوسائل المؤدية إلى انقطاع النسل البشري أو الاعتداء عليه بغير حق شرعي. ومن المقرّر - أيضا - في أدبيات علم الاجتماع والعمران البشري بأنّ وُجود أي تجمع بشري لابدّ وأن يخضع لنظام يحمي الفرد وخصوصياته وينظّم علاقته بنفسه وعلاقته مع غيره، وهذا القانون لا يتأتى إلا إذا كانت هناك سلطة مركزية يخضع الفرد والمجتمع  لكل ما تمليه من قرارات وإلا فإنّ عِقد الحياة سينفرط ويطغى مفهوم شريعة الغاب على النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مما سيعطي نتيجة سلبية تودي بالجميع إلى الاندثار والانقراض.
القبيلة أو العصبية كما يحلو لعالم الاجتماع والسياسة عبد الرحمن بن خلدون هي أول نظام بشري عرفه الإنسان الأول وسيطر على فكره، سواءٌ في هذا من استخدم هذه العصبية للخير أو الشر.
وحتى لا نبتعد بالقارئ - الكريم - نقول إنّ ظاهرة القبيلة ارتكزت في ذهن الإنسان العربي وارتبطت به منذ جاهليته الأولى واتسمت بالكثير من الضبابية، سببها غريزة حب الذات والانتقام وغياب  قانون مُوحد يجعل الأقوياء وعِلية القوم يخضعون له كما يخضع له الضعفاء وبسطاء النسب.
وبعد بُزوغ فجر الإسلام في جزيرة العرب تغير مفهوم القبيلة شيئا فشيئا بحيث أصبح نفوذها السياسي يعمل في زاوية ضيقة لا يخرجها - غالبا - عن السعي إلى الصلح بين المتخاصمين ودفع ما يترتب على العصبة من دية أو إرش جناية - في حالة العجز البدني أو العقلي - أو حماية لعرض انتهك ظلما أو عُدوانا.
كما سعى الإسلام إلى استحداث نظام سياسي شرعي اجتماعي ينضاف إلى مفهوم القبيلة وهو العاقلة، ذلك أنّ حدود القبيلة يسع  الكثير من الأفراد والجماعات ويصعب ضبطه في الحالات الطارئة التي تستوجب السرعة، وكان هذا المفهوم هو العاقلة التي تُعصّب الرجل وتحمي ظهره حسا ومعنى.
وقد شاع وانتشر في أدبيات العرب في جاهليتهم الاعتداء على الغرباء وأبناء السبيل وحتى أبناء القبيلة والأسرة، مُستثنين - والحالة هذه الحالات الفردية - التي صدرت من حاتم الطائي وأمثاله ممن يسعون إلى اكتساب المجد والتباهي به في النوادي، ومما يدل على كلامنا سعي النبي - عليه الصلاة والسلام - إلى كسر الحواجز النفسية والاجتماعية التي تنظر إلى الغرباء بعين الريبة والحذر بقوله - كما جاء في معجم الطبراني الكبير - «سلمان منّا أَهل البيت» وهذا الموقف القائم على الروابط الدينية والأخوة الإيمانية يجعل النعرات الذاتية والقوميات الأنانية تتراجع شيئا فشيئا حتى تبقى على أصولها ومقوماتها بحيث لا تصطدم مع جوهر الدين وقيمه السامية التي تطغى على جميع المفاهيم الوضعية.
إنّ القبيلة ليست شرا محضا ولا خيرا محضا، ذلك أنّنا حين ننظر إلى جانبها الإيجابي نجدها قد حلّت الكثير من المشاكل وتجاوزت  الكثير من الخلافات الضيقة بحكم  الحمية النسبية، كما أنّها حافظت على  حفظ الأنساب وهي بهذا تلبي مقصدا حاجيا وضروريا دعا له الدين وسعى  إلى تحقيقه ومُستند هذا القول ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - أنّه قال « تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أَرحامكم، فَإنَّ صلةَ الرحم محبة في أهله، مثراةٌ في  ماله، منسأَة في أَثره» وروى البخاري في الأدب المفرد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنّه قال (تعلّموا أَنْسابكم ثُمّ صلوا أَرحامكم واللَّه إنه ليكون بين الرجل وبين أَخيه الشيء ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرَّحم لأوزعه ذلك عن انتهاكه)، وقد قرن الله - تعالى -  قطيعة الرحم بالفساد في الأرض ورتّب اللعنة على ذلك بقوله " فهل عسيتم إن تولّيتم أَن تفْسدوا في الأَرض وتقَطِّعوا أَرحامكم أُولئك الَّذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ".
ومن المقرّر في أذهان الأصوليين  أنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومعرفة  الأنساب والأصهار يحصل من خلالها  ويتأتى الواجب العيني وهو صلة الرحم، وكل هذا  يندرج تحت المحتوى  الرئيسي وهو القبيلة مع استثنائنا للحالات الفردية والنادرة التي تحصل في أرض العجم على اعتبار مفهوم الشعوبية الذي يحل محل مفهوم القبيلة عند العرب، ومقصد الشارع - الحكيم - في هذا كله هو تحقيق معنى التعارف  الذي به يحصل لازم الإيمان  وهو الأمن والسلام.      
والجانب السلبي لمفهوم  القبيلة يندرج تحته الكثير من الظواهر السلبية ذات الطابع العنصري والقومي، الذي يسعى إلى تكريس مفهوم الطبقية على أساس يرجع إلى الجنس البشري أو اللون أو اللغة، وهذا النوع من الظواهر يعد إحدى جاهليات القرن العشرين التي حاربها الإسلام في عهده الأول أيام كانت العرب تنظر إلى من سواها بأنهم خلقوا من أجلها، وهذا لم يكن شائعا عند العرب وحدهم، بل وُجد عند فارس والروم والهند أيام طغيان عقل اللاوعي، على العقل المفكر المدرك لمعنى الاستخلاف القائم على التكافل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين بني البشر بغضّ النظر عن الأبعاد اللاإرادية التي لا دخل للبشر فيها.
إنّ التنوع البشري يجب أن يستخدم في الجانب الإيجابي وأن ينظر الناس بعضهم إلى بعض على أساس الضرورة الاجتماعية لا على الجانب الكمالي والتحسيني، والقبيلة من هذا الجانب - مهما على شرفها وحسبها - عليها أن تُدرك أنّها غير قادرة على الحياة بمفردها على الأرض دون مساعدة الآخرين، وهذا النقص يجعلها تتنازل شيئا فشيئا عن برجها العالي القائم -على الجانب المعنوي- إلى الطبقة المسحوقة التي ظلمها التاريخ أيام طغيان عقل اللاوعي والتي وفّرت لنفسها الكثير من الحاجيات الضرورية وسمت بنفسها إلى مراتب الكمال البشري بدل العيش في أوهام التاريخ المنسوجة في أغلبها من الخيال.
إنّ العلاقات الاجتماعية في الإسلام قائمة على أساس التقوى والقرب من  الله لا على أساس الطينة البشرية التي يستوي الجميع  في أصلها، ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام - كما جاء في مستدرك الحاكم «إذا أَتاكم من ترضون خلقه ودينه، فانكحوه، أَلّا تفعلوا تكن فتنة في الْأَرض وفساد عريض» وهذا المفهوم يبطل جميع المفاهيم الأخرى التي كان الناس في جاهليتهم الأولى يقدّمونها وهو حال بعض المجتمعات في جاهلية القرن العشرين.
لقد تزوج النبي - عليه الصلاة والسلام - زينب بنت جحش الأسدية بنت عمته بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وهذا الموقف النبوي يُعدُّ عند قريش خروجا عن المألوف وثورة على القيم الجاهلية، وزوّج عبد الرحمن بن عوف أخته هالة ببلال بن رباح الحبشي، وهذا إن دلّ على شيء فإنّ ما يدلُّ على أنّ المجتمع النبوي المثالي تجاوز كلّ العقبات الاجتماعية ورسم نموذجا حضاريا يتلاءم مع الفطرة البشرية.
بعد العصر النبوي والخلافة الراشدة ظهرت بوادر القوميات الشعوبية التي تتعصب لجنسها وعرقها البشري، وظهرت هذه الحركة في بداية العصر الأموي ووجدت نفسها في العصر العباسي، وقد وقف في وجهها أبو عثمان الجاحظ، حيث بين دافعهم الحقيقي في النقمة على العرب في كتابه البيان والتبيين، وهذا الدافع الذي ظهر عند البرامكة وآل سهل جعل بعض الشعراء العرب يتعصبون لجنسهم ولغتهم وبالغوا في عصبيتهم، كما أنّ الخوارج الذين ظهروا في بلاد المغرب قاموا بزرع الطائفية وبينوا للبربر موقفهم من العرب، وهذه الثقافة الطائفية - عموما - جعلت المستشرقين الغربيين يجدون ضالتهم في التراث الأموي والعباسي وسعوا في نشره وبيانه  من أجل إعادة عصبية أخرى في القرن العشرين. 
وقد أشار عبد الرحمن حبنّكه الميداني في كتابه أجنحة المكر الثلاثة إلى دسائس المستشرقين في التراث الإسلامي وقولهم بأنّ المسلمين يقرّرون في قرآنهم أنّ الجنّة خاصة  بالعرب وأنّ النار خاصة بالسود مستدلين بمفهوم خاطئ في قوله - تعالى- [ يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأَمّا الذين اسودّت وجوههم أَكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأَمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللَّه هم فيها خالدون] قائلين في هذا الفهم بأنّ السواد المذكور في الآية خاص بالسود وأنّ البياض المذكور خاص بالعرب وهذا لَعمري لَهو عين الكذب والافتراء، ذلك أنّ البياض لو كان على ما قالوا لما كان أبو لهب في النار ولا يشك أحد في بياضه وانتسابه لأشرف بيت عرفته البشرية، ومما يبطل زعمهم - كذلك - أنّ بلالا الحبشي سمع النبي - عليه الصلاة السلام - قرع نعليه في الجنة. 
إنّ الإسلام أوسع أفقا وأرحب صدرا من أن يعامل معتنقيه على أساس عصبي، إنّه يعامل الجميع تحت مظلة واحدة لا فضل لعربي فيها على أسود ولا فضل لأسود فيها على أبيض، الكل سواسية يقربهم التقوى ويبعدهم الكفر.
إنّ ثقافة شعب الله المختار التي عمل الصهاينة ومفكروهم من الماسونيين عليها واعتبروا أنّ من ليست أمّه يهودية ليس له الحق في الحياة وإن تركت له الحياة ما ذاك إلا خشية أن يستوحش اليهودي على هذه الأرض وترك لهذا الغرض، إنّ هذه الثقافة خارجة عن قاموس المسلمين على مرّ أربعة عشر قرنا والتاريخ خير شاهد على دولهم ومماليكهم شرقا وغربا التي نعم غير المسلمين فيها تحت حكمهم بالعدل والإنصاف.
لقد ظلّ المسلمون في إفريقيا مُنسجمين في ما بينهم مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وقبائلهم ولم يسجل التاريخ اصطداما يذكر قبل دخول المستعمر الغربي حاملا معه أدواته من مستشرقين ومستعربين الذين بدؤوا في بث سموم الفرقة والتفرقة وسعوا إلى شق صفوفهم وقاموا بتزوير تاريخهم الناصع رافعين شعار فرق تسُد.
لقد امتزج المسلمون في شمال غربي إفريقيا بينهم ( موريتانيا، السنغال، مالي) كما امتزجوا في شرقيها بين ( الصومال واليمن ) حيث وقع بينهم تزاوج جعل بعضهم ينتمي إلى بعض مما جعل شوكتهم تقوى ضد عدوهم المشترك في الغرب وهو المستعمر الفرنسي وفي الشرق وهو المستعمر البريطاني.
ويقرّر هذه المعلومة التاريخية الأستاذ الخليل النحوي في كتابه "إفريقيا المسلمة الهوية الضائعة" حيث يقول:
في المناطق الإفريقية المجاورة لموريتانيا، امتزج الدم العربي الصنهاجي بالدم الإفريقي منذ عهود بعيدة،،، وينسب إلى محمد نياس الكولخي قوله " نحن عرب سودتنا أمهاتنا "، ويذكر كذلك - الأستاذ -  الخليل النحوي بأنّ إبراهيم نياس لم يزل يزوج بناته من عرب موريتانيين، وأنّ الشيخ  محمد المامي تزوج مباركة بنت  الشيخ عمر الفوتي، وأنّ الشيخ أحمد حماه الله ولد من أب عربي وأم فلانية، وأنّ أمير الترارزة في جنوبي موريتانيا محمد الحبيب بن عمر تزوج أميرة " والو" فولدت له ابنه الأمير اعلي، كما أنّ الكثير من أبناء آل نياس تزوجوا من أسر عريقة وبيوتات لها حسبها ونسبها في موريتانيا، وذكر المختار ابن حامد في موسوعته  الجغرافية الكثير من القبائل الموريتانية التي هاجرت إلى السنغال واندمجت  هناك وهو الحال - كذلك - مع جمهورية مالي .
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ الخليل النحوي ناقلا عن أشهر المهتمين بقضايا القارة السمراء قول أحدهم:
إنّ الديانة المحمدية تبحث عن الإنسان في حقيقته فتتجاوز العَرض إلى الجوهر، وتترك الطارئ للباقي، ولذلك فإنّها تخمد كل نعرات التميز القائمة على العنصر واللون والجنسية، فالإفريقي يجد في الدين الإسلامي أعظم العزاء وكل الحماية
كل هذا يدعونا إلى بث روح الأخوة الإيمانية وتغليب روابطها على أي أساس قبلي أو جهوي يجعل سفينتا تمخر في عباب بحر المجهول.      
لقد كان الإسلام إكسيرا لصهر المجتمعات واندماج بعضها مع بعض، ولم يكن واقفا يوما من الأيام ضدّ الاندماج الاجتماعي الذي هو أساس العزة والقوة، ألا ترى معي - أخي الكريم - نظرية التآخي والتكافل الاجتماعي التي رسمها محمد - عليه الصلاة والسلام - يوم قدم المدينة المنورة ؟
على الذين يضعون أيديهم على الزّناد ويمتلكون كلمة الفصل زعامة وريادة في قبائل موريتانيا المختلفة والمتنوعة، وكذلك زعماء الشرائح الوطنية الأخرى أن يعلموا أنّ علاقتهم مع إخوتهم في الدين والوطن حاجة ضرورية،  لا يمكن لأي منهم الاستغناء عن الثاني، وأن يتجنبوا كلّ الدعوات العنصرية التي نصّ الصهاينة في بروتوكولاتهم على تنفيذها في العالم الإسلامي عن طريق الماسونيين الذين لا يشترطون دينا ولا وطنا من أجل إيصال رسالتهم. 
وأن يعلموا بأنّ أي مجتمع اختلّ توازنه الاجتماعي والثقافي وانفرطت حبات عقده، لجدير بأن  يعيد  النظر في أبعاد مشكلته الاجتماعية والتي سيكون سببها الأول هو غياب الوازع الديني وعدم تطبيق تجلياته السامية في قضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكل حاجياته، الضرورية والكمالية والتحسينية.
              المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

المرأة وجاهلية المدنية والتقدم

حبذا لو أن نساءنا عقدن مؤتمرا عاما يحددن فيه مهمة المرأة بالنسبة لصالح المجتمع حتى لا تكون ضحية لجهلها وجهل الرجل بطبيعة دورها، فإِن ذلك أجدى علينا من كلمات جوفاء ليس لها في منطق العلم مدلول.
بهذه الكلمات ونحوها دندن الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي مُدليا دلوه في إشكالية المرأة الجزائرية ودورها في النهضة الثقافية والاجتماعية ...
إن المرأة العربية والمسلمة تعيش على مفترق طرق بسبب الثقافات المختلفة والتقاليد المتنوعة التي اتخذت من المرأة منطلقا ومقصدا ومنبرا بحكم سرعة تأثرها وتأثيرها بالروافد الوافدة .
بنظرة تاريخية فاحصة نجد أن المرأة قبل الإسلام كانت سلعة تباع وتشترى لا حق لها في أي شيء من مقومات الحياة فضلا عن أن يؤخذ رأيها في قضايا السياسة والاجتماع .
يقول أبو الحسن الندوي مبينا سبب انحطاط المجتمع الجاهلي أن المرأة كانت عرضة غبن وحيف، تؤكل حقوقها وتُبْتز أموالها وتُحرم إرثها وتعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجاً ترضاه وتورث كما يورث المتاع أو الدابة .
هذا في تلك الجاهلية الحمقاء التي غابت فيها وسائل العقل ووسائط التفكير ، وكانت كل الحضارات ’’ الهندية والصينية والفارسية واليونانية على السواء في ابتزاز المرأة وإهانتها ، بل وصل الأمر إلى أن انتشرت هذه الثقافة في الثقافة الدينية ’’ اليهودية والنصرانية ، أيام طغيان العقل الموقع عن الله .
قال سيد قطب في ظلاله:
كانت المرأة في الجاهلية تلاقي من العنت ما يتفق وغلظ الجاهلية وانحرافها. كانت تلقى هذا العنت طفلة توأد في بعض الأحيان، أو تعيش في هون ومشقة وإذلال! وكانت تلقاه زوجة هي قطعة من المتاع للرجل، أغلى منها الناقة والفرس وأعز! وكانت تلقاه مطلقة تعضل فتمنع من الزواج حتى يسمح مطلقها ويأذن! أو يعضلها أهلها دون العودة إلى مطلقها، إن أرادا أن يتراجعا.. وكانت النظرة إليها بصفة عامة نظرة هابطة زرية شأنها في هذا شأن سائر الجاهليات السائدة في الأرض في ذلك الأوان
لقد ظلت البشرية قرونا من الزمن تعيش على أصناف من التيه والضلال والضياع ... تنظر إلى المرأة نظرة تصبغها النرجسية والشهوانية غير مدركة المعنى الجمالي في قوله تعالى (خَلَقَ مِنْها زَوْجَها) وهذا المعنى يتجلى في كل مقومات الحياة ’’ الثقافية والسياسية والاجتماعية ، وحين نقصر فهم الآية على المعنى الحسي (الرجل والمرأة ) يغيب عنا هاجس التفكير والتعقل وراء الآيات الكونية المسموعة والمرئية والمقروءة في هذا المجال .
ثم ، من الرجل بدون المرأة ؟ إنه ذاك الشخص الذي فقد حاسة التفكير وأصبح يعيش منفردا في ’’ ذاته ، في تفكيره ، في أبسط مقوماته الحياتية (اليومية ) وحين نحلّق بعيدا نجد أن الاستقرار النفسي والقرار الوجداني لا يمكن أن يحصل حصولا كليا دون امرأة (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) إنها الفطرة البشرية في أبهى حللها وأنصع أثوابها تنتصر للمرأة على طغيان الجهل .
في موضع آخر وفي مشهد من مشاهد العلاقات الاجتماعية يصور لنا القرآن الكريم هذه العلاقة مبرزا المقصد الأساسي بين الرجل والمرأة (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) حين تغيب المودة والرحمة بين الزوجين تصاب العلاقة الزوجية بالسبات والكمون . لم تكن الجاهلية الثانية التي نعيشها في ظل قيادة آمريكا وأوربا أحسن حالا من جاهلية الأمم السابقة للإسلام .
في نظري هذه الجاهلية أشد وأخطر ، ذلك أن الأولى كانت تحكم بمنطق القهر والظلم ، أما هذه فتدَّعي أنه تحكم العالم بالعلم والعلم وحده ... بينما نجد واقعها ينمُّ عن جهل وتخلف ’’ ينمُّ عن غياب الوازع الديني والأخلاقي والقيمي في تعاملاتها ... لقد غاب منطق الروح والتعابير الوجدانية في الفلسفات الغربية وحلَّ محلها منطق البراكماتية الشهوانية ...
المرأة في الغرب أيام الثورة الصناعية كانت تعمل مقابل حياتها وبقائها كجهاز ديناميكي ’’ لا حق لها في المطالبة حتى بالتخفيف من ساعات العمل داخل المصانع ، لا حق لها في معرفة معنى الأمومة ومتعلقاتها من تربية وتنشئة ، لا حق لها في معرفة زوجها الحقيقي ’’ يستوي في معاشرتها الأب والابن والأخ .
إن المجتمعات الغربية في جاهليتها ـ الحالية ـ تعيش مرحلة من مراحل انتكاسة الفطرة ’’ تعيش مرحلة من مراحل ضياع الإنسان والإنسانية ... لقد وصل القوم إلى مرحلة عاشتها أمة غابرة عُرفت بقوم لوط .. وصلت إلى هذه المرحلة حين غاب عنها الناصح الأمين وأقبل عليها داروين وفرويد ودور كايم وهيدجر وسارتر ومفاد نظرياتهم هو أن يحقق الإنسان ذاته, ويسبر غور نفسه, وأن لا يردَّ نفسه عن أي شيء تشتهيه؛ ليحقق الشخصية التي ينتهي إليها دون رقيب, ليشعر بوجوده حرًّا طليقًا .
لقد وقف اليهود وراء هؤلاء الذين يسمون بالمفكرين والمثقفين وقاموا بتسويق بضاعتهم المزجاة شرقا وغربا وأصبحوا يردّدوا مقولتهم ـ الشهيرة ـ " يجب أن يخلق الجيل الذي لا يخجل من كشف عورته " .
نعم ، وجدت هذه العبارة صداها في الأفلام السينمائية ـ الرخيصة ـ التي عبّرت عن الوجه الحقيقي لدعاة الرقي والتقدم الإنساني في عالم الجاهلية الثانية .
في معرض الحديث عن الأخلاق والقيم يقرر الأستاذ أنور الجندي في إحدى رسائله أن حرب اليهودية للجوييم أو للأميين كانت محاولتهم لهدم كل قيم الأخلاق والاجتماع والأسرة على النحو الذي قام به فرويد ودوركايم الذي كانت نظريته في علم الاجتماع قائمة على إنكار القواعد الأخلاقية والدينية التي قررها الدين الحق وإنكار فطرة الدين والأسرة والزواج ودوركايم هو الذي روج للنظرية القائلة بأن الدين لم ينزل من السماء وإنما خرج من الجماعة نفسها وهو يدعو إلى ما يسمى بالعقل الجمعي الذي ينكر مسؤولية الإنسان عن عمله والتزامه الأخلاقي الذي هو مصدر الحساب والجزاء الأخروي، كما أنه ينفي القداسة عن الدين والأخلاق والأسرة ويشكك فيها ويدعو إلى تحطيم الدين لأنه يعوق التطور .
إن مصطلحي الفضيلة والعفة لا يوجد في القواميس الفكرية الغربية ولا ينبغي له أن يوجد بحكم النفوذ الماسوني المسيطر على العقول ومصادر القانون الغربي .
يقول الماسوني راغون متحدثا عن سُبل إقناع المرأة بالفكر الماسوني :
العفة المطلقة مرذولة عند الماسونيين والماسونيات لأنها ضد ميل الطبيعة ومن ثم تبطل كونها فضيلة .
من جانب آخر نجد (جانت )زوجة (جوناس) أحد كبار الماسونيين تقول:
إن المرأة بواسطة الماسونية قد خسرت هناءها وآدابها وسعادتها الزمنية والأبدية وبهذه الخسارة خسر الكون نظامه الاجتماعي والعائلي والأدبي والديني والصحي والنسلي ...
إن هذه الأفكار وغيرها جعلت المنبهرين بالحضارة الغربية من أبناء جلدتنا يلوكون هذه الأفكار عبر منظمات حقوق الإنسان والمرأة والطفل كجانب تطبيقي... من أجل إضعاف البنية الاجتماعية المسلمة وتفكيكها .
إن هذا الواقع أفرز جيلا من السياسيين والمفكرين الغربيين غير مهيئين أخلاقيا ، فدعواتهم التي ينادوننا بها من أجل إصلاح واقع المرأة تنم عن سوء سريرتهم ، إن واقعهم شاهد على أنهم لا يصلحون لقيادة أنفسهم فضلا عن قيادة الأمم ، نعم ، لا يصلحون لقيادة الأمم لا في الأخلاق والقيم ولا في السياسة والاقتصاد ولا حتى في الفلسفة والاجتماع .
إن منطق مدنية المرأة وتقدمها لا يعتبر مدنية وتقدما ما لم يكن الغرب مصدر ذلك ، وأي امرأة نجحت في إدارتها لذاتها ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بالمنطق الغربي يعتبر تخلفا ’’ ذلك أن الغرب ينظر إلى ذاته نظرة تكبر وإعجاب وإلى الآخرين نظرة احتقار وازدراء ...
قال عبد الرحمن حبنكة الميداني في كتابه أجنحة المكر الثلاثة :
قدّم أحد الشباب المصريين أطروحة للدكتوراه في جامعة ابريطانية كان موضوعها " حقوق المرأة في الإسلام " فتصدى له المستشرق أندرسون وطلب من الجامعة عدم قبول موضوع كهذا ، متذرعا بأنه يخشى من أن يصبح هذا الشاب ناطقا باسم الإسلام كمالك والشافعي ... إن الدفاع عن المرأة يظل دفاعا مشوها وناقصا حتى يحصل المدافعون عنها على تزكية قانونية تخول لهم الحديث باسمها .
هكذا الغرب يتحكم في تفكيرنا وفي الكيفية التي ينبغي لنا أن نفكر بها ومواضيع تفكيرنا ... إنها الوصاية الفكرية على كل ما له علاقة بالإسلام .
أما الجاهلية العربية الحديثة فمصدرها ومغذيها الرئيسي في عصرنا هو رفاعة الطهطاوي وطه حسين وقاسم أمين وسعد زغلول ومحمد عبده وأحمد لطفي السيد وغيرهم من مسخ الله عقله وبصيرته وأبدلها بعقول غربية لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا ...
وجد هؤلاء ضالتهم في المرأة حيث اتخذوها صنما لأفكارهم وانحرافاتهم ... فرفاعة الطهطاوي تكلم في كتابه (تخليص الإبريز في تلخيص بارز ) عن الرقص والمجون وحانات الخمور في فرنسا معتبرا المجتمع الفرنسي ـ حينها ـ مجتمعا تقدميا ، وطه حسين هو أول من دعا إلى اختلاط النساء بالرجال في المدارس والجامعات المصرية ، وقاسم أمين تنكّر للدين وقيمه الأخلاقية في كتابيه (تحرير المرأة ـ المرأة الجديدة ) وسعد زغلول ساعد زوجته في نزع حجابها كدعم لما كتبه قاسم آمين ، أما محمد عبده فكان يعتبر المرأة المشرقية امرأة متخلفة وفاشلة وأن حقوقها مهضومة من قبل الرجل ، بل ذهب البعض إلى القول بأن محمد عبده ساعد قاسم أمين في كتابه ( تحرير المرأة ) وأن لغة الكتاب ترجع إلى محمد عبده وأن بعض هذه الأفكار راجعة إليه .
ومن النساء اللاتي شغفن بهذا الفكر المنسلخ من الهوية والتاريخ صفية زغلول وهدى الشعراوي وأمينة السعيد ونوال السعداوي وسهير القلماوي وفاطمة السعيد وسعاد صبري وغيرهن كثير ...
فصفية زغلول تفسخت من دينها وحجابها مُعلنة ثقافة الانكفاء إلى الوراء ، وهدى الشعراوي كانت أول من ثار من النساء على أحكام الشريعة صارخة في وجه الأزهر وعلمائه متحدية بذلك المجتمع المصري ، أما أمينة السعيد فقد شاركت في حملة شرسة ضد الحجاب في حين اعتبرت نوال السعداوي الحجاب استرقاق واستعباد ...
إن هذه النظرة القاتمة حول الحجاب قد يفهم منها بعض التقدميين أنها تعبير وجداني وسلوك حضاري عبَّر عنه بعض المصريات تنكُّرا للواقع المرير الذي سببه الأزهر ...
الأمر ليس بهذه البساطة يا هؤلاء ... لقد علم الغرب مدى تأثير المجتمع المصري على العالم الإسلامي ولهذا عملوا جاهدين من أجل إضعافه ثقافيا واجتماعيا وسياسيا ...
كتب أحد الباحثين الغربيين تقريرا لمؤتمر " الإسلام كأداة لاستعباد المرأة " جاء فيه:
إن مخلفات الدين الإسلامي التي تنطوي على السلوك الإقطاعي تجاه المرأة لا تزال باقية في بعض المجتمعات ، وتتمثل بصورة رئيسة في عدم تعيين اشتراك النساء في الحياة الاجتماعية والسياسية ، وفي تعدد الزوجات ومهر العروس ، وهي تقاليد تتناقض مع مذهبنا ولهذا من الضروري أن نخوض كفاحا مجردا من كل رحمة أو تسامح ضد جميع هذه المخلفات ، ليس فقط عن طريق توقيع العقوبات الصارمة وفقا للقانون ، بل والقيام في كل مناسبة بخلق رأي عام ساخط يندد بأولئك الذين يتمسكون بهذه العادات والتقاليد الضارة ... نعم ، هذا هو الوجه الحقيقي الذي لا يدركه التقدميون أو يدركونه ويتغافلون عنه .
يقول اليهودي مور بيرغز في كتابه العالم العربي اليوم:
إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلامي على جره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين من جديد.
ومن أشهر أقوالهم :
كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات .
مع هذا كله وجدنا من وقف في وجه هؤلاء المخدوعين والمنبهرين بالثقافة الغربية ، وعلى رأسهم مصطفى صادق الرافعي والمنفلوطي والعقاد ومحمود شاكر وسيد قطب وأنور الجندي ومحمد الغزالي ومصطفى محمود وعائشة بنت الشاطئ وغيرهم ممن كان يحمل مشعلا حضاريا إسلاميا لبناء الأمة المسلمة والدفاع عن قضاياها المشروعة .
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن الجاهلية في مختلف عصورها ـ الغابرة واللاحقة ـ لم تنصف المرأة بل كانت تعتبرها ومازالت سلعة من السلع تباع وتشترى ... وما وجد من دعوات لإنصافها واسترجاع حقوقها غلب عليها وغاب عنها أن المرأة لا تمثل نفسها وحسب بل تمثل المجتمع وأي دعوة غير منصفة ومحكمة سترجع إلى المرأة والمجتمع باختلال التوازن في التفكير وقضايا الاجتماع والسياسية .
وأن المدنية المزعومة لم تقدم المرأة إلا إلى الانحلال من الأخلاق والقيم وجعلت منها شخصا مهجنا لا يعرف ذاته ولا مسئولياته .
إننا حين ننظر إلى جانب الكأس الفارغ ونتغافل عن الإيجابيات التي حققها المجتمع الإسلامي على مر عصوره المختلفة خدمة للمرأة وقضاياها ونحمّل المجتمع قضايا فردية مصدرها العادات والتقاليد ، نكون بهذه النظرة السوداوية قد وقعنا في جانب من الحيف والقهر لهذه المجتمعات .
ثم إن النظرة التقدمية التي يسعى البعض إلى تحقيقها للمرأة يجب أن لا تكون على حساب الدين والأخلاق والهوية والقيم الإنسانية التي اتفقت الشرائع والفطر السليمة عليها .
إننا حين نخرج المرأة عن طورها الاجتماعي والثقافي ونسعى إلى أن تواكب ثقافات تختلف اختلافا كليا عن حيزها الجغرافي والبيئي نكون بهذا أيضا قد ظلمناها ’’ فالعادات والتقاليد السائدة في الثقافة الصينية لا يمكن تطبيقها على عادات وتقاليد المرأة الأمريكية ولا الروسية ولا حتى الهندية .
إننا بهذا نكون قد غيرنا سلوك وعادات مجتمع له تاريخه العريق بعادات وسلوك وافدة لا يعرفها ، ونكون بهذا قد استعمرناه اجتماعيا وثقافيا وسياسيا بدلا من بقائه مستقلا بهويته التاريخية .
من الثقافات الغريبة والدخيلة على المجتمعات الإسلامية ثقافة تجنيد المرأة عسكريا و السكرتيريا النسائية وثقافة الاختلاط المدرسي ... إن هذه الثقافات دخيلة على المجتمعات الإسلامية وأول من دعا لها المستعمر الغربي أيام ثورته على مقدَّرات الشعوب ومن أجل بقائه محتلا دائما كان ولا بد له من إجراء تغيير جذري يخدم مصالحه ’’ الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية على أمد بعيد ...
إن الثورات الإصلاحية على السلوكيات الاجتماعية الخاطئة لا بد لها من أن تكون نابعة عن قناعات مجتمعية صادقة أما الوافدة منها فمع مرور الليالي والأيام ستنتهي صلاحيتها وينبذها الزمن في غياهب النسيان ... أما الهجوم على الإسلام وأحكامه وتاريخه من أجل إنصاف مفتعل للمرأة لا يخرج عن كونه قيام بمهمة عجز المستشرقون عن تحقيقيها وإن خرج عنها ـ جدلا ـ فلن يخرج عن مظاهر الدراسات الاستشرافية المستقبلية .
               المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي


الجمعة، 24 يناير 2014

نقد الفكر الديمقراطي

قد يتبادر إلى ذهن ضعفاء العقول من أصحاب فكر اللاوعي البيروقراطي أن كل ناقد للفكر الديمقراطي موافق حتما ومؤيد للقهر والاستبداد والظلم والكبت وكل ما يرمز للتخلف و ثقافة القرون الوسطى .
إننا حين نقوم بنقد الفكر الديمقراطي لا يعني ألبتة أننا نساند الظلمة والطغاة ، بل إننا ضد تصرفاتهم العنجهية وعقولهم الخشنة .
لا نقوم بنقد الديمقراطية لذاتها كفكر ظهر في المجتمعات الغربية وتقبلته النفوس شيئا ما في بعض البلدان العربية كمصر ولبنان وحسب ، إننا ننقد الفكر الديمقراطي من حيث المخرجات التي قدّمت كنموذج حضاري وبديل لا مفرّ منه لكل من أراد أن ينعم بحرية وسلام.
نقوم بنقد الفكر الديمقراطي من منظور حضارتنا الإسلامية التي استطاعت أن تثبت لكل منصف أن آلاءها ونعماءها جعلت الغربيين ـ أنفسهم ـ ينعمون بسلام إبان حكمها في الغرب الإسلامي طيلة عقود من الزمن .
نقوم بنقدها على أساس أنها لم تقم على وحي سماوي ولم تؤسس وفق شروط تلزم الكل بتطبيق مبادئها وقيمها إنما قامت على أساس ’’ الحق دائما مع القوي المتغلب .
نقوم بنقدها على أساس أنها كذلك أفضل وسيلة للضحك على الذقون من أجل امتصاص دماء الفقراء باسم العدالة في الحرية وهل يمكن للحرية أن تكون محل جدل حتى تعرض للعدالة؟ الإجابة ببساطة ’’ الظلم بالسوية عدل في الرعية .
بمنطق آخر وبمنظور فلسفسي وسفسطائي نقوم بنقد الفكر الديمقراطي بالديمقراطية ذاتها ، على اعتبار أن الركيزة الأساسية التي قامت عليها هي حرية الرأي وتقبله دون امتعاض ولا تشنج .
التصرفات العشوائية الطائشة الشيطانية التي يقوم بها من ينسبون إلى الإسلام ويحاولون مُواجهة الفكر الغربي بالقوة خارجة عن قاموسنا ، بل نعتبر من يتصرف هذا التصرف أن مدارس المارستان أولى به من أي شيء آخر. 
نقوم بنقد الفكر الديمقراطي لإيماننا أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر ، وأن العقل لا يواجه إلا بالعقل ، على هذا الأساس قامت حضارات الأمم والشعوب وبه نتعامل معكم يا أصحاب الكهنوت الديمقراطي .
نقوم بنقد الفكر الديمقراطي كخيار فرض على عقولنا أن تقبله مكرهة ، أن تقبله ولو بالبارجات الحربية والصواريخ العابرة للقارات وحتى بالقنبلة الذرية ، بل بالموت البطيء ’’ حصار بري وبحري وجوي.
أننا حين نقوم بتفسير الديمقراطية نقول :
منها ما هو مثالي خيالي لدرجة أنه بقي لشرفه رهينة في صفحات الكتب والمجلات والموسوعات كجمهورية آفلاطون وآراء أرسطو وفاضلية الفارابي ’’ ما الذي خرج لنا إذن ؟؟
خرجت لنا نظريات لسان حالها يقول :
يجب أن نمسح شعاع الفضيلة من الوجود ونُحل محلها مجتمعا إباحيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ، مجتمعا يصف الدين والتدين بآفيون الشعوب ومخدّرها ، مجتمعا يقول لا إله والحياة مادة ، مجتمعا لا يعرف للقيم معنى ، ولا للأخلاق وزنا ’’ هكذا يسهرون ومن أجله يخططون وينفذون .
لماذا يحل لهم ما لا يحل لنا ويحل لنا ما لا يحل لهم ؟ جعلوا من الغرور تاجا ومن الكبرياء عاجا ، وجعلنا من مثاليتهم نبراسا ، ومن إباحيتهم تحضرا ، لا يحق لنا التفكير في مصيرنا وسياساتنا وفق مبادئنا وحضارتنا ، لا يحق لنا حتى التفكير في ماهية إنسانيتنا ، خلقوا ليكونوا أسيادا ونحن العبيد ’’ الوصاية الفرنسية والبريطانية والأمريكية على المستعمرات القديمة والجديدة أنموذجا ’’ إنها البراكماتية في أبهى حللها .
متى أصبحتم عقلاء ومتى أصبحنا مجانين ؟
بمنطق الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: لماذا لا يحق لنا العيش دون وصاية كأطفال في سن الروضة ؟ لماذا لا يحق لنا تقرير مصيرنا دون اللجوء إلى مجلس خوفكم وأمنكم ؟ هل هذه ديمقراطية ؟ أم أن الديمقراطية أصبحت كالثوب لا بد لكل شخص من مقاس حسب لون بشرته ومعتقده ؟
أيها الديمقراطيون التقدميون شيء من الصراحة ولو لمرة في العمر؟
قلتم أن صناديق الاقتراع هي الفيصل والسبيل الوحيد إلى الحكم ... نحن معكم في هذا ’’ لماذا لا تتركوا عقلائنا وعلمائنا يعاملوا مجانيننا وأغبيائنا كمعاملة مجانينكم وأغبيائكم لعقلائنا ؟ ببساطة أنتم تعاملوننا بنظريات ميكافيلية ليس إلا .
الفكر الديمقراطي ليس هو الأفضل ’’ لكن حين نقارنه بالعلمانية الراديكالية المتطرفة نقول استطاع الفكر الديمقراطي تقليص الهوة بين الطبقة البورجوازية من جهة والطبقة الكادحة من جهة أخرى على الأقل من حيث فرص التبادل السلمي للحكم .
يقول ونستون تشرشل ’’ الديمقراطية هي أسوأ نظام حكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى . الفكر الديمقراطي حطّم كل قيم الحضارة والإنسانية مما جعل الإنسان يفقد إنسانيته ، يفقد كرامته ، يفقد ذاته ، طبعا الوسائل المادية وإن تساوت فيها الناس لا يمكنها جلب السعادة وإنما تهدئ أعصاب تلك الشعوب .
لقد بالغ الفكر الديمقراطي في إعطاء الفرد حريته ، وساعد في كبح جماح القيم الإنسانية المجتمعية ، لا حق للأب في توجيه ابنه أو بنته توجيها تربويا ، توجيها قيميا ، توجيها حتى إنسانيا ، والسبب في هذا أنه يتناقض مع مبادئ الفكر الديمقراطي .
يقول أوسكار وايلد ’’ الديمقراطية ببساطة هي ضرب الشعب عن طريق الشعب من أجل الشعب.
لإن كانت النظم السابقة للفكر الديمقراطي قد ظلمت الفرد وكبحت حريته إلا أن الديمقراطية هي الأخرى ظلمت المجتمع وسلّطت عليه كلابا بوليسية باسم الحرية ، باسم الكرامة ، باسم الإنسانية حتى.
المجتمع في نظر الفيلسوف بول سارتر ’’ لا ينتج القيم ولا يفرضها ، بل هي قناعات غير مكتسبة ، يقررها الفرد متى شاء وكيف شاء وعلى الطريقة التي يشاء .
لقد ساعد الفكر الديمقراطي في صناعة الديكتاتورية الفوضوية بحنكة وذكاء، استطاع أيضا أن يصنع من الشعوب ميدانا للفروسية والتباهي بالذات ، ميدانا لعرض عضلات التطاول على الآخرين دون عناء ’’ يحق للفرد الديمقراطي أن يسبّك ويسب أباك وينفي حتى نسبك من أبيك , وليس لك إلا الرد بالمثل ’’.
إن عبارة " حريتك تنتهي حين تبدأ حريتي " لا مفهوم لها في واقع المجتمعات الديمقراطية ، بل إني أعتبر هذه الكلمة من مثاليات جمهورية آفلاطون ونبوءات أرسطو ، الفرد في المجتمع الغربي لا يعرف للحرية حدودا .
إن الشر الذي أنتج الخير لا يمكنه أن يورث لهذا الخير خيرا ، الفكر الديمقراطي وُلد ونشأ في أحضان الظلم والاستبداد الكنسي في حقبة العصور الوسطى ، تربى على يد من كانوا يغازلون الكنيسة في الخفاء ويعلنون مناصرتهم للطبقة الكادحة ، ترعرع على يد من كانوا يشرّعون للبورجوازيين حق شراء الأرض بمن فيها من العبيد ’’ النفاق يورث الحقد والحقد يورث الحسد.
الفكر الديمقراطي ظلم الشعوب وصادم الفطرة وصادر حرية الجميع ومنحها للفرد على أساس من الطبقية السياسية ، سلب الإنسان إنسانيته ، أورثته فوضى في التفكير ، فوضى في الأخلاق ، فوضى في القيم ’’ لا إنسان مع الديمقراطية ولا ديمقراطية مع الإنسان .
                 المهدي ولد أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

الخميس، 23 يناير 2014

الماسونية والخيوط الخفية !

من الصعب على الباحث في مجال الحركات الفكرية فهم المذهب الماسوني قبل الدراسة المعمقة للفكر الصهيوني ، وما ذاك إلا للارتباط الوثيق بين الحركتين في كثير من الاتجاهات والتصورات الناتجة عن التغيرات الزمكانية .
وحقيقة الأمر أن الصهيونية تمثل الواجهة الأمامية للماسونية وتعمل أساسا على سبيل التمويه والتورية خشية الوصول والتعرف على الفكر الماسوني .
وقد بدأنا الكلام في مقالات سابقة عن الصهيونية واليسارية من أجل الوصول إلى فهم المذاهب الفكرية الهدامة اللاحقة .
وحين نرجع إلى التعريف العام للماسونية نجد أنها حركة يهودية سرية هدامة إرهابية غامضة، محكمة التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحية والفساد، وتتستر تحت شعارات خداعة  مثل الحرية ــ الإخاء ـ المساواة ـ الإنسانية وهي حركة منبثقة عن حركة " البناءون الأحرار
ويعرفها أحد الباحثين بأنها جمهور عظيم من مذاهب مختلفة يعملون لغاية واحدة لا يعلمها إلا القليلون منهم .
ويعرفها كذالك عبد الوهاب المسيري في موسوعته بأنها مجموعة من التعاليم الأخلاقية والمنظمات الأخوية السرية التي تمارس هذه التعاليم، والتي تضم البنائين الأحرار والبنَّائين المقبولين أو المنتسبين
الماسونية أو الفرمسون أو الفرامنسون أو مسون تضم ملل ونحل مختلفة ففيها اليهودي والمسيحي والرأس مالي والشيوعي والديمقراطي والقومي العربي و الأبيض والأسود  وهي لاتنص على دين معين ولا على جنسية ولا وطن وإنما تنص في دساتيرها على السرية التامة والتخطيط المحكم والعمل لصالح الحركة الصهيونية المتطرفة.
وجل أعضاء هذه الحركة أصحاب الشخصيات المرموقة من ساسة وصحفيين وأصحاب النفوذ الاجتماعي ، يتميزون بحفظ الأسرار وحسن التخطيط من أجل تحقيق فكرة قيام الدولة اليهودية العالمية .
و يجدر بالذكر إلى أن هذه الحركة ليست وليدة الأمس فحسب بل هي حركة ظهرت سنة 44م على يد هيرودس أكريبا - ملك الرومان حينها - وقد كان له مستشارين أهم : حيران أبيود نائبه الأول و موآب لامي كاتم سره الأول.
لقد قامت الماسونية منذ أيامها الأولى على المكر والتمويه والإرهاب حيث اختاروا رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف وسموا محفلهم (هيكل أورشليم) للإيهام بأنه هيكل سليمان عليه السلام.
وانتساب الماسونية إلى اليهودية لا يحتاج إلى دليل فهذا الحاخام لاكويز يقول:
الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها.. يهودية من البداية إلى النهاية.
وأكثر الدارسين يطلقون عليها القوة الخفية لشدة إحكامها وسريتها المطلقة فمن الصعب على الشخص الانتماء إليها إلا بعد تمحيص وتمحيص لمدة سنوات ، ومن الصعب كذلك فك شفراتها وذلك أنها كالحرباء تتلون بكل لون فحين قامت الثورة الفرنسية والبلشفية كان الماسونيون هناك ، وحين وصل هتلير الطاغية الألماني إلى سدة الحكم كانوا هم من ساعدوه من أجل إشعال المحرقة الشهيرة لتكون دعاية عالمية فيما بعد ، ولم يكونوا بعيدا عن إشعال نار حربي العالمية الأولى والثانية وصدق الله إذ يقول ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) وصدق القائل ( اليهود وراء كل جريمة).
 وحين نرجع إلى الوراء نجد أن  هدف الماسونية الأول كان هو اغتيالات زعماء النصارى والوقوف في وجه امتداد النصرانية قبل وبعد ظهور الإسلام .
أما المرحلة الثانية للماسونية في العصر الحديث فقد بدأت سنة 1770م عن طريق آدم وايزهاويت المسيحي الألماني الذي استقطبته الماسونية وقد وضع الخطة الحديثة للماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة 1776م، ووضع أول محفل في هذه الفترة (المحفل النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.
وقد استطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرين وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المسمى ب(محفل الشرق الأوسط ) وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية، وأعلنوا شعارات براقة تخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من العرب والمسلمين.
ومن أهم أفكارهم ومعتقداتهم التي كتبها بعض من عاشوا في أحضانهم ما يلي:
1ــ الكفر بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات كما أنهم يعملون على فكرة التخلص من الدين ومتعلقاته من أخلاق ومعاملات .
2ــ  العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلدان المختلفة والسيطرة عليها.
3 ــ إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة.
4 ــ العمل على تقسيم غير اليهود إلى أمم متنابذة تتصارع بشكل دائم.
 5 ــ تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها وهناك دول شاهدة على هذا كالسودان والصومال والصحراء الغربية وإقليم كشمير وقبل هذا كله فلسطين .
6 ــ  بث سموم النزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية.
7 ــ  تهديم المبادئ الأخلاقية  والفكرية والدينية ونشر الفوضى والانحلال والإرهاب والإلحاد  
8 ــ  استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع وخاصة ذوى المناصب الحساسة لضمهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
9 ــ  إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتسييره كما يريدون ولينفذ صاغراً كل أوامرهم.
10 ــ  الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم يشترطون عليه التجرد من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني وأن يجعل ولاءه  خالصاً للماسونية.
11 ــ  إذا تململ الشخص أو عارض في شيء تدبر له فضيحة كبرى وقد يكون مصيره القتل.
12 ــ كل شخص استفادوا منه ولم تعد لهم به حاجة يعملون على التخلص منه بأية وسيلة ممكنة والأمثلة على هذا شاهدة فكم من زعيم قتل ....
13 ــ  العمل على السيطرة على رؤساء الدول لضمان تنفيذ أهدافهم التدميرية.
14 ــ  السيطرة على الشخصيات البارزة في مختلف الاختصاصات لتكون أعمالهم متكاملة كالأطباء والمهندسين والصحافة وقيادات الجيش ورؤساء الأحزاب السياسية .
15 ــ  السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعلية.
16 ــ بث الأخبار المختلقة والأباطيل والدسائس الكاذبة حتى تصبح كأنها حقائق لتحويل عقول الجماهير وطمس الحقائق أمامهم.
17 ــ دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم وإباحة الاتصال بالمحارم وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري.
18 ــ  الدعوة إلى العقم الاختياري وتحديد النسل لدى المسلمين.
19 ــ السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها من قبل أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة وما يتبع لها كمنظمة التربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأرصاد الدولية، ومنظمات الطلبة والشباب والشابات في العالم.
ويقسم الباحثون الماسونية إلى ثلاث طبقات على النحو التالي:
1 ــ طبقة العمي الصغار: والمقصود بهم المبتدئين من الماسونيين، وهذه الطبقة تمر بثلاث وثلاثين مرحلة يحصل الماسوني فيها على جوائز وأوسمة وشهادات تقديرية تحت شعار الحرية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة ، ويجدر بالذكر إلى أن الماسوني في هذه المرحلة يعمل على تفكيك مجتمعه وقيمه ودينه حتى ، ولن يرتقي من مرحلة إلى أخرى إلا بهذا كما يقول الأستاذ محمد بن ناصر أبو حبيب في كتابه ( أثر القوة الخفية الماسونية على المسلمين )  
2 ــ طبقة الماسونية الملوكية: وهذه لا ينالها إلا من تنكر كليًّا لدينه ووطنه وأمته وتجرد لليهودية ومنها يقع الترشيح للدرجة الثالثة والثلاثين ك[تشرشل] و[بلفور].
3 ــ طبقة الماسونية الكونية: وهي قمة الطبقات، وكل أفرادها يهود، وهم آحاد ، وهم فوق طبقة الأباطرة والملوك والرؤساء لأنهم يتحكمون فيهم .
أما كيفية الانتماء فيتم قبول العضو الجديد في جو مرعب مخيف وغريب حيث يقاد إلى الرئيس معصوب العينين وما إن يؤدي يمين حفظ السر ويفتح عينيه حتى يفاجأ بسيوف مسلولة حول عنقه وبين يديه كتاب "العهد القديم" ومن حوله غرفة شبه مظلمة فيها جماجم بشرية وأدوات هندسية مصنوعة من خشب …وكل ذلك لبث المهابة في نفس العضو الجديد.
أما عن أهم محافلها فهي تدار من وراء سبع محافل دولية تقع في نيويورك وشيكاغو وباريس وروسيا وبعض الدول ذات السيادة الصهيونية .
أما عن تأثيرها في العالم الإسلامي فيرى الأستاذ محمد الزعبي كما جاء في كتابه "حقيقة الماسونية"  أنها ظهرت إشاراتها مع عبد الله بن سبأ اليهودي وما أثاره من فتن في العصر الإسلامي الأول ، ثم جاء من بعده دور أبا مسلم الخرساني في عهد الدولة العباسية وما أظهر حينها من فتن ومشاكل وقلاقل جعلت الجميع يقع في حيرة من أمره ، كما أن طريقة دعوة إخوان الصفا كانت تشبه الماسونية في سريتها كما يقول الأستاذ أبو حبيب .
ووصل الأمر إلى أن البعض منهم أصبح مستشارا للخليفة وطبيبه الخاص وأمين سره حتى .
وكثر هذا في عهد دولة الفاطميين في مصر وما جاورها  وفي هذا يقول أحد الشعراء:
يهود هذا الزمان قد بلغـــــوا *** غاية آمالهم وقد ملكـــــوا
العز فيهم والمال عندهــــــم *** ومنهم المستشــار والملك
يا أهل مصر قد نصحت لكم *** تهودوا قد تهود الفلــــــك
كما أن سبب سقوط الخلافة الإسلامية في الأندلس والمغرب الكبير يرجع في المقام الأول إلى اليهود الذين ظهروا في ثوب مسيحي يعمل في التجارة والأعمال الحرة. 
وفي الشرق الإسلامي نجد وقوفهم الجلي وراء إغراء عبد الحميد الثاني بالتنازل عن فلسطين مقابل بقائه في خلافته ، وحين رفض الأمر وأصر عليه أدخلوه في متاهات الرجل المريض وقسموا دولته إلى  ما نحن عليه اليوم.
مهما يكن من أمر فإن سلسة المنتسبين إلى الإسلام من اليهود الماسونيين كثر ولا يمكن حصرها في هذه العجالة وإنما الاشارة  تكفي اللبيب .
ومن أهم آثار الماسونية على العالم الإسلامي ما يلي:
1 ــ تفكيك الروابط الدينية وبنائها على روابط نسبية وعنصرية فقد كانت الدولة الإسلامية في عهد عبد الحميد الثاني قائمة على الوحدة الإسلامية ونبذ الطائفية وكان الجميع من جاكرتا في أندونسيا شرقا إلى جبال سيبيريا شمالا ومن جزر الرأس الأخضر غربا إلى جنوب إفريقيا جنوبا يجتمع مسلميه تحت مظلة واحدة وحين قوي نفوذ الماسونيين قُسّم الجميع إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي ومسلمي آسيا تحت رابطة العالم الإسلامي .
2 ــ النفوذ الاستعماري وتبعية كل دولة إلى من كان يستعمرها في كل القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية حتى .
3 ــ  التركيز على المرأة كعنصر فعال يدار الجميع من ورائه ودعوتها إلى السفور والانحلال من كل القيود.
4 ــ التركيز على المذاهب الصوفية ودعمها بشكل مستمر من أجل ضرب التيار الداعي إلى المحافظة على قيم الإسلام وتعاليمه وهذا ليس أمرا جديدا فحين وصل نابليون إلى مصر كان يستخدم متصوفي الأزهر ضد الرافضين لحكمه من أبناء مصر والسودان .
ولم تكن المجامع الفقهية ولجان الإفتاء في الأزهر وغيرها بعيدة عن مخططات الماسونيين واطلاعهم على كل ما يبذله أولئك ضد الاسلام وأهله وقد أصدروا فتاوى جاء فيها ما يلي :
الأزهر: ويحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنها وواجب المسلم ألا يكون إمعة يسير وراء كل داعٍ ونادٍ، بل واجبه أن يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: " لا يكن أحدكم إمعةً يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم، وواجب المسلم أن يكون يقظاً لا يغرَّر به، وأن يكون للمسلمين أنديتهم الخاصة بهم، ولها مقاصدها وغاياتها العلنية، فليس في الإسلام ما نخشاه ولا ما نخفيه والله أعلم) رئيس الفتوى بالأزهر حينها  عبد الله المنشد. 
كما أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى أخرى جاء فيها:
وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية العالمية، وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسئولين في البلاد العربية وغيرها، في موضوع قضية فلسطين، وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية العظمى، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية.
لذلك ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى وتلبيساتها الخبيثة وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب أهله والله ولي التوفيق.
وقد جاءت هذه الفتوى برئاسة  عبد الله بن حميد ـ رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية حينها بتاريخ 1978/07/15.
وحين ننظر في واقع المتأثرين بهم نجد أنهم ينكرون وجود هذه الحركة بقصد التعتيم عليها وعلى أسرارها وقد راجت هذه الفكرة بين الشباب المصريين في ستينات القرن المنصرم ، لكن من عاش معهم يكذبهم بالبراهين والأدلة والأمر ليس متوقفا عند هذا الحد فحسب بل إن البعض منهم ينكر أكثر مخططات بني صهيون ويعتبرها أوهاما لا غير إعتمادا على وجهة نظر خاصة بعبد الوهاب المسيري. 
ونقول لهؤلاء أن الأديب عباس محمود العقاد الذي عاش في فترة ظهور هذه الحركات الصهيونية يؤكد ما جاء في كتيب الحكماء .
إن شعار الماسونية للأسف تلقفته بعض الدول بقصد أو بغيره ،ذلك أن شعارهم السري والرمزي هو [ حرية ، إخاء ، مساواة  ] وحقيقة الشعار دعنا نعمل في الخفاء حتى نحقق قيام الدولة اليهودية العالمية ونطمس آثار كل ما يقف في وجهنا من الأمميين .
لقد ظهرت الماسونية في بداية أمرها في مصر ثم انتقلت كالفيروس في باقي الدول العربية الأخرى مستخدمة القوميات العنصرية الثائرة على القيم .
أما في موريتانيا فيبدوا أن السلطة الاجتماعية مازالت مسيطرة على البعض وتمنعه من المجاهرة بانتمائه للفكر الماسوني ، وقد قامت إحدى الصحف الموريتانية بإجراء تحقيق حول منتسبي الحركة من الموريتانيين وتوصلت إلى أن أحد رجالات الدولة في حكومة سابقة يدير خلية ماسونية تضم رجال أعمال يديرون مدارس حرة افرانكفونية ، كما أنها ذكرت أن أحد الصحفيين البارزين حضر للاجتماع الخاص في سفارة فرنسا وأعلن ولاء القسم للفكر الماسوني.
بغض النظر عن صدق الصحيفة من كذبه فإننا نلحظ مؤخرا نشاطا حيويا لتيارات تعمل على تفكيك المجتمع وبناءه على روابط عنصرية باسم الحرية والمساواة وحقوق الانسان وووو  .
والأغرب من هذا هو سكوت حاملي شعارات الإسلام عن هذه المنظمة السرية وعدم كلامهم البتة في موضوع كهذا رغم شقشقتهم السياسية التي أقاموا بها الدنيا وشعاراتهم التي تبشر بقيام خلافة إسلامية وهم ما زالوا في ثوب عتمة عن مواجهة فكر يعمل على تقويض الإسلام من جذوره بكل السبل وكل الطرق الممكنة .
مهما يكن من أمر فإن هناك مؤلفات ودراسات تناولت الفكر الماسوني بالتفصيل وأغلبها دراسات غربية تتميز بالسرية المطلقة إلا أنها وصلت فيما بعد إلى أيدي بعض الباحثين بفعل فاعل وخرجت من أيديهم.
---------------------------------
أهم المراجع:   
 1 القوانين  لجيمس أندرسون Games Anderson
 2 الماسونية لأحمد عبد الغفور عطار
3 الماسونية في العراء لمحمد علي الزعبي
4 اليهودية والماسونية  لعبد الرحمن الدوسري
5 موسوعة اليهودية لعبد الوهاب المسيري .
6  أثر القوة الخفية الماسونية على المسلمين لمحمد بن ناصر أبو حبيب .
7 التعاليم الصهيونية لبولس حنا مسعد .
8 أسرار الماسونية  للجنرال جواد رفعت أتلخان .
9 حكومة العالم الخفية   ترجمة مأمون سعيد
10 موسوعة الأديان والمذاهبجمع وترتيب الندوة العالمية للشباب الإسلامي
كما أن هناك صحيفة موريتانية تناولت الأمر بالتفصيل نتحفظ على ذكرها خشية أن تطالها المضايقة من قبل خفافيش الظلام الليلية .
وأخيرا  صدق القائل الماسونية آلة صيد بيد اليهود يصرعون بها الساسة ويخدعون عن طريقها الأمم والشعوب الجاهلة. 
                   المهدي بن أحمد طالب 



عــــــــــاجل

بلغني قبل لحظات خبر من أحد الإخوة بأنه اتصل به سفير موريتانيا في إحدى الدول الإفريقية المجاورة لإفريقيا الوسطى وشرح له وضع التجار وتعهد له بأنه سيطلب شخصيا من سلطات الكامرون السماح لجندوها بالدخول إلى التجار من أجل تأمينهم إلى الححدود الكامرونية ونحن بهذا الصدد نشكر هذا السفير على هذا التدخل الطيب . / المهدي بن أحمد طالب  

الثلاثاء، 21 يناير 2014

مهلا أيها المتماجنون !

أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تُقم لكم على أرضكم/ حسن الهضيبي
يتحاشى الكثير من أرباب القلم وربّان سفينة الكلمة قول الحقيقية خجلا ومحاباة لمن فرضوا أنفسهم على المسلمين بلغة الدم والسلاح ، كما أن الكثير أيضا ساهم بحماسه العاطفي في تجهيل المسلمين عبر فقاعات أورثت مجتمعاتنا الذل والهوان .
لقد ناقشت القضية المالية وأبعادها المحتملة في مقال سابق بعنوان " جمهورية مالي والحرب الدراماتيكية "وفي هذا سيكون الحديث عن أشباح الصحراء المتماجنين في أغوارها . لقد كثر التماجن في قضية مالي (إقليم آزواد ) هذه الأيام ، بين مبارك لحرب يعدُّها ويعتبرها حرب تحرير وتطهير للأرض من أشباح الصحراء ، وبين من يعتبر القوات الفرنسية وحلفاءها الغازية قوات صليبية ويجب التصدي لها بما أوتي الشخص من إمكانيات ’’
لكن غاب عن هذين الفريقين أن المسألة ليست حرب تحرير بما في الكلمة من معنى ، وليس الطرف الآخر المقاتل من قبل الصليبيين أقل جرما من الغزاة ’’ قتلٌ وسفك لدماء المسلمين بمفاهيم خاطئة ــ لم تصدر عن أناس يدركون مقاصد الشريعة العامة ويقدّمون قطعي النص على ظنه ومتواتره على آحاده ، والمجمع عليه من الأقوال على شاذه ’’
لقد غاب عن جميعهم تقديم المصلحة العامة على الخاصة ودفع المفسدة الكبرى بالصغرى وارتكاب الضرر الأخف من أجل دفع الضرر الأعظم ’’ عاطفة جياشة ممزوجة بحماس شبابي بعيد عن منطق الدين والعقل ... تكبير وتهليل ، قطع للأيدي وجز للرؤوس بالسكاكين ، تكفير لكل من لم يستجب لدعواتهم المغرضة والمغرّدة خارج السواد الأعظم من المسلمين ’’
لنرجع قليلا إلى حيث بدأ الاسلام وانتشر في جزيرة العرب لنستشف من تلك الفترة الزمنية كيف بدأ هذا الدين ودخل الناس فيه أفواجا دون أن تسيل قطرة دم ودون أن يجتث دعاته من أصولهم ويمزّقوا كل ممزق . ثم علينا أن نحدد الفترة الزمنية التي نعيشها الآن هل هي عهد مكي أم عهد مدني أم مزيج بين المكي والمدني ؟ أم أننا لاندك حتى ماهية ذواتنا وهوية إسلامنا ؟
إن محمدا عليه الصلاة والسلام لم يبعث ليقطع الرؤوس ويبتر الأيدي ويشهر بالزاني كلا ، بل إن هذه الحوادث ــ التي وقعت ــ كانت لها أسباب ومبررات لا يختلف عليها أصحاب الفطرة السليمة من عامة الناس فضلا عن علمائهم . ولم تشرع الحدود الشرعية كمقصد ذاتي وأصلي ’’ فالشريعة لا تستفيد شيئا من قطع يد فلان وعلان ’’ بل هي مقاصد تابعة وخادمة ’’ الهدف منها صيانة أموال الناس وأعراضهم من أجل تحقيق المقصد الأصلي والحقيقي وهو العبودية لله ــ عزّ وجل ــ على الوجه الذي يوائم بين المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية ومال هذه المقاصد من عوارض من حيث تحقيق رغبات الإنسان التي لا تخالف فطرته التي فطره الله عليها .
العهد المكي كان يرتكز أساسا على الدعوة سرا دون إبداء أي أسلوب من أساليب القوة حتى تمكن النبي ــ عليه السلام ــ من إقناع عظماء القوم وأشرافهم بالإسلام كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة ــ رضي الله عنهم ــ وتمكن كذلك من إقناع الجميع أن دعوته سلمية وليس القصد منها حرق الأخضر واليابس ، بل إنه كان يراعي حتى شعورهم من تشويه دعوته بقوله لعائشة ــ رضي الله عنها ــ " لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إسماعيل " ، وكانت دعوته قائمة على اللين والحكمة ويسأل ربه دائما أن يخرج من أصلاب قومه من يعبد الله ولا يشرك به شيئا . وبعد أن حقق الله له النصرة ووجد من يؤازره ويناصره خارج مكة ، أمر أتباعه بالهجرة إلى الحبشة مرتين ، وأمرهم كذلك بالمغادرة إلى المدينة المنورة دون أن يظهروا أي أسلوب من أساليب المقاومة والحرب ، بل الخُلق الحسن والأدب الجم والصدق في التعامل هو أساس دعوته وتعامله .
هكذا ظل القوم حتى أصبح لهم شأنا وأصبحت لهم قوة حسية تضاهي قوة قريش ، وأصبح المركز الرئيسي للقوم ومنطلق دعوتهم من جديد ’’ المدينة المنورة . في العهد المدني تغيرت الأحوال شيئا فشيئا ، غير أن الجانب الأخلاقي في التعامل بقي نبراسا لكل من دخل في الإسلام مع التركيز على كل ما يفيد الدعوة النوبية من نبيل الأخلاق وشيم المروءة .
فرض القتال بغية ردع المعتدين وكل من تسول له نفسد التطاول على قيم رب السماء ، كما فرضت كل التشريعات في هذا العهد بتدرج ، وبقي ــ عليه السلام ــ محافظا على السمعة الخارجية لدولته قائلا " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " وشدّد في جانب الدماء قائلا " من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله " وقال أيضا في شأن المعاهدين " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " . كما بين في هذه الفترة الخطوط العريضة والواضحة لأحكام الجهاد ـــ الخاصة منها والعامة ــ وكانت عموما تحمل طابع الرفق واليسر ، بل إن هذا الجانب كان مقصدا أساسيا وأصليا راعته الشريعة في كل تشريعاتها.
إن العهد المدني كان عهدا ربانيا اتسم بوضع للمسات الأولى والبصمات لمفهوم الدولة في الإسلام ، وبعد وفاة النبي ــ عليه السلام ــ ظل خلفاؤه الراشدون على هذا النهج وكانت خطبة أبي بكر الصديق في توديع جيش أسامة بن زيد ــ رضي الله عنهم ــ نبراسا ومشعلا حضاريا في كيفية تعامل الجيوش الغازية مع من يغزونهم ، وهكذا جرى العمل عند من أتوا بعده من الخلفاء . وبعد أن أندرس الإسلام في زماننا واختلط الحابل بالنابل ، أصبح كلٌ يتصرف على هواه دون أن يرجع إلى العلماء الربانيين ، بل أصبح الكل يلوك عبارات " علماء السلطان ، وفقهاء الحيض والنفاس " وما إلى ذلك من ساقط القول ورذيله ، وطارت العنقاء بالتكفير والتفجير ، وأصبحنا لا نعرف هل نحن مكيين أم مدنيين؟ يمينيين أم يساريين ، علمانيين أم فاشيين ، ابراكماتيين أم نازيين !!! كثر الهرج والمرج في زماننا ، وأصبح القتل تجارة سائدة وبوحشية حتى ، ليتحقق فينا قوله ــ عليه السلام ــ " والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك ؟ قال الهرج القاتل والمقتول في النار" إلا من رحم الله .
نحن نعلم أن الغرب حربه على الإسلام ليست جديدة وأساليبها متنوعة من عهد الاستعمار إلى يومنا ، لكن علينا أن لا ننجر إلى ما يحقق أحلامه وأطماعه ، بل ويجلبه إلى أراضينا والتي لم يذهب عنها إلا ليرجع إليها من جديد . إن الإقليم الآزوادي ابتلاه الله بلعنة أشباح الصحراء الذين يصولون ويجولون في عمقها غير آبهين بأحوال فقرائها الذين ظلوا ولعقود يطالبون الحكومة المالية بتوفير أبسط مقومات الحياة ’’ طب وتعليم ، ومع هذا الكابوس الذي ظل يطاردهم في كل ليلة جاء هذا الكابوس الآخر الذي يقطع أيديهم ـــ متناسين عهد عام الرمادة ــ ويجلد ظهورهم بلا بينة أو برهان !!! إن الذريعة التي يتقوقع خلفها المتماجنون بفرض الإسلام على الناس بمنطق القوة ، لن يلد غير العاهات ومزيدا من الحسرات والزفرات على بيضة الإسلام ، فهم لم يفهموا الإسلام ــ بالمفهوم الشامل ــ ولم يفهموا التعامل مع الواقع وتحدياته والتي من أبسط قوانين لعبته أن العالم الإسلامي بأجمعه لا يملك مقعدا واحدا في مجلس الأمن الدولي ولا يملك حتى حق التأثير في الأمم المتحدة . صحيح أن هؤلاء كفار ، لكننا لا نملك إلا أن نتعامل معهم بمنطق قوتهم ، ونحن في نهاية الأمر غير مكلفين ــ شرعا ــ بغير ما نطيق ، فلسنا معتزلة نفرض على الناس ما يعجزون عنه ، ولسنا خوارج نكفر كل من يتعامل معهم من عامة المسلمين .
ثم إن الجيوش الصليبية الغازية من جلبها غير تصرفاتكم الرعناء الشيطانية والبعيدة عن أي منطق ؟ هل نقلت فرنسها عتادها العسكري ودعت حلفاؤها قبل مجيئكم ؟ وقتالكم لجيوش المنطقة بأسرها والحكم على حكامها بمنطق الردة والزندقة هل سيحتفون بكم في هذه الحرب المدمرة ويتلقونكم بالورود ؟ من زرع سوء فعلته سيجني ثمارها !!! بعد كل ما تقومون به من قتل وجريمة أنتم في النهاية شعب الله المختار والفرقة الوحيدة الناجية من براثين الشرك وغيركم استبدل الضلالة بالهدي والغواية على الهداية ؟؟؟ إنكم لن تقيموا دولة إلا في مخيلاتكم وستجلبون إلى الإسلام من الهوان أضعاف ما يعيشه أهله في مشارق الارض ومغاربها .
نعم ، هناك متماجنون آخرون حاولوا ويحاولوا أن يصبغوا دماء هؤلاء الحمراء بلبن سائغ للشاربين ، أين أنتم يوم غزوة " لمغيطي ، وتورين ، والغلاوية " ؟ أم أنكم تماجنتم وتناسيتم تلك الأرواح البريئة التي قتلت بدم بارد ؟ هل تتذكرون كم من امرأة رملت ، وكم من طفل يتم ؟؟؟ إن هؤلاء القوم لم يجنوا على أمتنا المسلمة غير العار والشنار والدمار ، فلا أرض حررت ، ولا حقوق استرجعت ، بل أصبح المسلم مهانا أينما حل ، معذبا أين ما نزل ، كل هذا بسبب تصرفات صبيانية طائشة ، ركبها الشيطان في فترة من الجنون الشبابي دون أن يجد لها المارستونيون دواء .
فآمريكما أصبحت أقوى من ذي قبل ، وأفغانستان دمرت ، والصومال أصبحت مثالا للفوضى الخلاقة . أما بخصوص مشاركتنا في الحرب ــ أعني الدولة ــ فهذه لا يحددها العامة والدهماء ، بل الخبراء العسكريون من جيشنا الوطني وما يرونه من مصلحة راجحة ، باستشارة من علمائنا الربانيين الذين يدركون مدى صعوبة الموقف من الناحية الشرعية من حيث تقديم المصلحة العامة على الخاصة ... بعد كل هذا هل سيبقى المتماجنون يتماجنون مولين أدبارهم لنصوص الكتاب والسنة ’’ القطعية منها والظنية ، ناسخ الوحي ومنسوخه ، ومدارك الإجماع ومظانه ، وعلل القياس ومناطه ، ومقاصد الشارع وحِكمه ، أم أن كل هذا من باب تحكيم الرجال في الوحي ليتحقق قول أسلافهم لا حكم إلا لله ؟
المهدي ولد أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الاسلامي