الأربعاء، 29 يناير 2014

الديمقراطية والدين / المسيحية والإسلام

لقد أصبحت الديمقراطية الغربية في العالمين الغربي والإسلامي محل نظر وتأمل بين من يرى أنها هي المخلص للشعوب من ويلات الظلم والاضطهاد والأداة الرئيسية والفعالة للعدالة والمساواة ، وبين من يرى أنها لعبة سياسية ماكرة ، هدفها المعلن هو شعارات براقة  ’’ الحرية ، العدالة ، والمخفي  هو استغلال ثروات الشعوب ونهب خيراتها عبر الشراكة الاقتصادية ...
من زاوية أخرى يرى بعض الديمقراطيين الغربيين أنهم خلصوا الشعوب من الثيوقراطية التي كانت تحكم العالم الغربي وتزعم أنها تمده بأواصر الأخوة والمحبة في حين تعمل جاهدة في استغلال عقله وفكره  من أجل بقائها مسيطرة على كل مصادر الفكر والرقي والازدهار.
بين المفهوم الثيوقراطي الذي يزعم الديمقراطيون أنهم تخلصوا منه والمفاهيم الأخرى التي استوحت الديمقراطية منها أفكارها ومبادئها نسعى إلى بيان شيء من الحقيقة الغائبة أو المغيبة.    
 حين نرجع إلى بدايات ظهور الديمقراطية في العصر الحديث نستطيع أن نحقق ولو نسبيا أوجه التناغم والتنافر بين هذه الإشكالية والنواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية في واقع المجتمع الغربي  ، وبينها كذلك وبين الروافد  العربية الأخرى ’’ من ناحية الدين بمفهوم التدين  ، من ناحية أسلمة الديمقراطية ، من ناحية السياسة والحكم ، من ناحية الأخلاق والحرية الفردية .
لقد ظهرت الديمقراطية في بداية أمرها عند الإغريق وظلوا برهة من الزمن يتعاملون بها في جوِ من التآخي والتسامح غير أن هذا الزواج لم يكتب له الدوام فسرعان ما وصل الأمر إلى أيادي حاخامات اليهود وباباوات المسيحية والإقطاعيين فبدأ السلب والنهب والرعب الممنهج باسم الدين وإملاءات الرب
لتقريب موضوع كهذا لا بدأن نسبر أغوار الديانات  الثلاث ’’ المسيحية ، اليهودية ، الإسلام ، ثم نحدد العلاقة بين هذه الديانات ومفهوم ما يعرف اليوم بالديمقراطية .
من المعلوم أن الكنيسة المسيحية  تفرعت عنها بفعل عصابات اليهود التي توغلت وترقت بابويا في هرم الكنيسة إلى شرقية وغربية ، الشرقية تمثلها الأرثوذكسية ، والغربية انقسمت هي الأخرى إلى بروتستانت وكاثوليك ، ولكل من هذه الكنائس مرجعا بابويا  لهذا الدين الذي يزعم أصحابه الانتساب  إلى نبي الله  عيسى عليه الصلاة والسلام . 
الكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية في روسيا لم تستطع أن تحدث شيئا يذكر لقوة الفكر الشيوعي الماركسي ـ اليهودي ـ عند الروس ، بل إن الشيوعيين كانوا يعتبرون الدين ـ بالمفهوم العام ـ هو السبب وراء التخلف الفكري والاقتصادي في المجتمعات ولا بد من قطع صلة المجتمعات  بهذا ، وأصبح الشعار آن ذاك هو لا إله والحياة مادة ، وقد تمكّن تلميذ ماركس لينين صاحب الثورة البلشفية من وضع خطة شاملة لمفهوم  الحياة حسب تخرُّصات ماركس اليهودي .
من المعلوم أن  الكنيسة  عموما لا دخل لها في الحياة  العامة ’’ الاقتصادية ، وإنما هي تعاليم وترانيم داخل الكنيسة  وحين يخرج منها المرء يصبح في حل  من أمره ، ولهذا  استطاعت أن  تتواءم مع هذا الواقع الإقصائي بما فيه من دكتاتورية شهوانية منعت الفرد حق التملك على حساب الاشتراك في كل مقومات  الحياة. 
نعم ، الاشتراك  في كل  شيء اعتمادا على  العقيدة  اليهودية المزدكية القائمة على أن الله خلق الناس متساوون ويجب أن يبقى  هذا التساوي في المأكل والمشرب والملبس والمنكح حتى ’’ كيف لا ؟  والناس خلقوا من أب واحد وأم واحدة  !
بل يجب أن يتساوى الجميع في كل مقومات الحياة حتى ولو أدى هذا  إلى  السلب والنهب والسرقة.
نعم ، استطاع اليهودي ماركس أن  يخدّر العقول المسطحة  بهذه الخزعبلات ويشغل الناس بشيء يعلم بسطاء العقول أن الناس متفاوتون في الفكر والتفكر والعقل والتعقل والذوق والتذوق ، ثم لو كان  هذا  الكلام على  إطلاقه لماذا يفرض على الناس فكره  هذا وهو واحد منهم ؟  أليس هذا هو عين التناقض ؟ إنه الهوى وحب الذات ليس إلا .
من هذا المبدأ الماركسي استطاعت الديمقراطية أن تستوحي منه مبدأ المساواة ’’ في كل مقومات الحياة التي قررها ماركس ولينين ، وهي من هذا الجانب ماركسية المنطلق ، قد خرجت من رحم ديكتاتورية المجانين  من أب يهودي كذلك .
أما الكنيسة الغربية فإن  البروستاتنية والكاثوليكية انتشرتا في كل من  ابريطانيا وأمريكا وأوربا  وقد استطاعت هذه الكنيسة بحكم عمرها الطويل أن تكون خلفية أساسية للديمقراطية الحديثة ، غير أن تأثيراتها على النظام الديمقراطي السياسي لم تكن بشكل مباشر ، بل تسعى إلى أن تكون مستقلة تماما عن أي نشاط سياسي ليتحقق مبدأ فصل الدين عن الدولة لتتحقق رغبات الشعوب دون أن تكون هناك  مُضايقات أو إكراهات ، والحق أن هذه مسرحية سيئة الإخراج إذ أن الواقع شاهد على أن البريطانيين لا يرتقون في أي منصب إداري قبل تزكيتهم من باباوات الكنيسة حسب رأي .د/ عبد العزيز صقر .
فهو يرى ـ في كتابه النقد الغربي للديمقراطية ـ أن الوظائف العليا في ابريطانيا في مجال التعليم والقضاء والقوات المسلحة خاضعة لهذه الكنيسة ، ويحرم منها من لا ينتمي لهذا المذهب الآنكلوكاني .
فأين الديمقراطية إذن ؟ ثم أين التشدق بأن الجميع متساوون في فرص التوظيف أمام دولة القانون؟؟؟
لقد استطاعت هذه الكنيسة أن تسيطر على مراكز القرار والقوة  في أغلب المجتمعات الغربية كما أسلفت ’’ من قضاة ومحامين ومهندسين وعباقرة  وكتاب وأساتذة اللاهوت .
ببساطة شرعيتك في ابريطانيا مقرونة بانتمائك الديني (الكنيسة البروتستانتية  ) وهو من يحدد من أنت .
إن الدول الأوربية أشد تمسكا بالديانة المسيحية ( المحرّفة ) من أي شيء آخر وإن دساتيرها لتعج بهذا ، فالأمة البريطانية في مادتها الثالثة من دستورها تقول:  على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة إنجلترا ولا يسمح بتاتًا لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات ، ويعتبر ملك بريطانيا حاميًا للكنيسة البروتستانتية في العالم .
أين الكاثوليك والأرثوذكس من هذا التهميش ؟ وأين العدالة والحرية والمساواة التي تتبجحون بها أيها المتعجرفون  ؟
أما السويد فإنها تنتهج نفس نهج الدستور البريطاني حيث جاء في المادة الرابعة : يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ويجب أن يكون أعضاء المجلس الوطني من أتباع المذهب الإنجيلي .
إن السياسات الغربية التي تتمنطق  بمنطق الديمقراطية هي أول من يناقض مبادئها ويرسي دعائم الدولة الثيوقراطية التي خرجوا عليها إبان الثورة الفرنسية حاملين شعار  اشنقوا آخر أرستقراطي بأمعاء آخر قسيس ؟ 
نعم ، لقد استطاعت الديمقراطية الغربية الاستفادة من مفهوم فصل الدين عن الدولة علنا من حيث المؤسسات الدستورية والسلطة  " التشريعية والتنفيذية  " لكنها بقيت عاجزة خاضعة أمام القانون الذي يحكم معظم الدول الأوربية والأمريكيتين ألا وهو اشتراط أن يكون الرئيس كاثوليكيا أو بروتستانتيا ، ويتجلى دور الكنيسة  في الحياة السياسية الإيطالية ، بل إن  الديمقراطية يضرب بها عرض الحائط حين يتعلق الأمر بنظام الكنيسة ’’ فلا ديمقراطية مقابل النصوص البابوية .
إن هذا يدعونا إلى تساؤل وهو هل حقا الساسة الغربيون تخلصوا فعلا من سلطة الثيوقراطيين ودورهم السياسي ؟؟؟
نعم ، هناك انسجام تام بين صناع القرار السياسي وبين الثيوقراطيين الكاثوليك والبروتستانت في كل من اسبانيا وألمانيا والنرويج وسويسرا وبعض الدولة الأوربية التي تخفي تبعيتها للكنيسة كفرنسا . 
فالدستور الإسباني ينص في تحد صارخ على أن اسبانيا دولة كاثوليكية وأن حق الانتخاب محصور في حق الاسبان الكاثوليك ، وأن رأس الدولة يجب أن يكون من رعايا الكنيسة ،   كما أن الكنيسة لها امتيازات في الحكم بموجب اتفاق بين الفاتيكان والأسرة الملكية ، كما أن النظام التعليمي قائم على فلسفة التعاليم الكاثوليكية لا فلسفة التعاليم الديمقراطية .
وقد جاء في المادة السادسة من دستورها ما يلي : على الدولة رسميًا حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها .
ثم لماذا لو كانت اسبانيا حقا ديمقراطية لا تسمح لإقليمي الباسك وكاتالونيا بحق تقرير المصير كشعب يريد أن يحكم نفسه بنفسه على أساس ديمقراطي قائم على  حق التصويت وحين تكون الأكثرية مع الانفصال  يمنح لها ؟؟؟
الجواب عن هذا التساؤل يتمثل في أن الإقطاعيين القدماء أصبح الساسة  وصناع القرار يمثلونهم  اليوم والثيوقراطيون استرجعوا مناصبهم بعد هزيمتهم النكراء أيام الثورة الفرنسية وكل ما في الأمر هو أن كذبة الديمقراطية لا تصلح إلا للسذج من أبناء العالم الثالث ، إنها الديماغوجيا  الراقصة على أوتار الجراح .
 في ألمانيا هناك زواج تام بين المسيحية وقوميي الألمان  واعتقاد جازم بأن  المسيحي وحده هو الذي يحمل في دمه النزعة القومية  وأن أصحاب الديانات الأخرى قد يتمكنون من التجنيس بجنسية الدولة الألمانية لكن لا يمكنهم أن يكونوا ألمانا قوميين يوما من الأيام .
أليس هذا نوع من الاستعلاء القومي الديني ؟ ألا يتنافى هذا مع مبادئكم أيها الديمقراطيون ؟ لماذا تصفون العرب والمسلمين بأنهم أصحاب توجهات قومية وعنصرية ؟ لماذا لا تنشر رائدة الديمقراطية  ومضرب المثل "أنكيلا ميركر"  شيئا من ديمقراطيتها بين شرائح المجتمع الألماني قبل أن تضحك على عقولنا بأنها جاءت من قوم ينثرون ورود الديمقراطية على الشوارع .
لقد تكسرت ديمقراطيتكم أيها الألمان على صخرة مروى الشربيني التي قلتها أحدكم داخل المحكمة في تحدٍ صارخ لمفهوم التعددية الدينية ، قتلها بحجة أنها محجبة .
النماذج الأخوية بين الكنيسة الغربية والديمقراطية أكثر من أن تحصى وما يشاع  بأن الغرب قد تخلى عن الثيوقراطيين محض افتراء لا وجود له إلا في عقول راديكالية ممسوخة تقدمية  .
صحيح أن الديمقراطية الغربية من حيث التبادل السلمي للسلطة وحرية التعبير في اصطلاح الديماغوجيين موجودة ومنتشرة وحين تتبنى سب وشتم رجال الكنيسة توقف عند حدّها حسب ما تراه الكنيسة من عقوبات.
لا خوف على الديمقراطية من الثيوقراطيين ولا خوف على الثيوقراطيين من الديمقراطية ، كل عرف حدوده ومهامه  فلا داعي لثقافة نشر الدمقرطة في الأوساط الغربية .
أما شعب الله المختار فقد سخر العقل البشري المعاصر لخدمته ومهدّ كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة من أجل تحقيق دولة يهودية حدودها الأرض والسماء والبحار والمحيطات ،  فما الشعوب وديمقراطياتها إذن ؟
حين خلق الله اليهود خلق لهم خلقا  آخر من سلالة حيوانية يرجع أصلها إلى القردة والخنازير ،  خلق هذا الخلق كي  يستأنس بهم اليهودي من وحشة العيش في هذه الدنيا التي خلقت هي الأخرى لهم  ... هكذا  يحلم ويفكر الشعب اليهودي .
تخسأ كل الديمقراطيات  والمواثيق والعهود الدولية أمام جبروت  اليهود ، ربان العالم ومسيروه .
نعم ، رُبان العالم ومسيروه ، ألا يتحكمون في مجلس الأمن الدولي ولهم كلمة الفصل التي لا يُتعقب عليها ؟ ألا يمسكون صناديق النقد الدولي ؟ أليست هيئات حقوق الإنسان والقانون الدولي ومنظمة مراسلون بلا حدود مُسخرة في خدم شعب الله المختار ؟
لقد استطاع بولس اليهودي أن يضل النصارى ويستخدم المسيحية لخدمة اليهود منذ قرون من الزمن ولم يتنبه باباوات الكنيسة لهذا ، بل أصبحوا ينعقون وينهقون وراء شعارات ’’ الأخوة ، المحبة ، السلام ، وهذه الشعارات هي التي استطاع اليهود أن يغروا بها  الديماغوجيين الببغاوات ، متى كان أو أصبح اليهود مسالمين ؟ الديانة اليهودية لا تخضع لأي حساب سوى النزعة القومية لشعب معين.
أما حين نرجع أدراجنا ونغوص في أعماق التاريخ ندرك أن الإسلام لم يكن دين عنصرية ولا طبقية ، لم يكون دين تعالٍ ولا تكبر وتجبر ، لم يكن دين سفك للدماء ولا دين إبادة جماعية .
لقد شعر المنصفون من الكتاب الغربيين بهذا أيام دراساتهم التاريخية المحايدة لتاريخ الأمم والحضارات .
ومن الذين درسوا التاريخ الإسلامي وسكنوا في أحضان العرب المستشرق الفرنسي " جاك بير " الذي قال إن الاسلام لا ينسب إلى الثيوقراطية ولا يمكن أن يكون ، لقد تجاوز الاسلام الجمود ودعا إلى نشر ثقافة التسامح  وأشاع روح المساواة بينه وبين الأمم الأخرى .
إن الديمقراطية بمفهوم التعددية في الفكر والرأي أول من أشاعها بين الناس هو الإسلام ولم يكن يوما من الأيام محل مُصادرة لآراء الآخرين ، بل إن القرآن دعا إلى إعمال العقل والفكر في كل مجالات الحياة وأجاب عن الاستشكالات التي لم يستطع دهات الغرب الإجابة عليها .  
يقول المستشرق الفرنسي نابليون:  أتمنى ألا يمضي وقت طويل قبل أن أتمكن من جمع كافة حكماء و متعلمي العالم من كل الدول ، و تأسيس نظام حكم منتظم مبني على مبادئ القرآن الكريم ، فمبادئ القرآن الكريـم هـي وحدها المثالية ، وحـدها التي يمكن أن تجلب السعـادة للبشريـة جمعـاء ، فوجود إله واحد هو شيء يقيني ، و لكن الحقيقة أن جميع الأديان عدا الإسلام هي من صنع الإنسان.
نعم ، جميع الديانات من صنع الإنسان عدا الإسلام ، ذلك إن نبي الله عيسى عليه السلام لم يأتي بدعوة جديدة ولا حتى بدين جديد وإنما جاء كمكمّل لدعوة نبينا موسى عليه الصلاة والسلام ومبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام .
يقول صالح بن الحسين الجعفري في كتابه تخجيل من حرّف التوراة والإنجيل : أكدت أبحاث المفكرين من النصارى واليهود أن تحريف المسيحية جاء من قبل بولس (شاؤول اليهودي ) الذي تنسك بزي مسيحي ليقرر ما يشاء من عقائد يهودية .
لقد فهم بعض الكتاب الغربيين شمولية الإسلام وحيويته أكثر بكثير من الذين يعتنقونه ويصفونه بالرجعية والدروشة لجهلهم بسماحته ومدى سمو أحكامه وتشريعاته على كل النظم والتشريعات الوضعية .
نعم ، على كل النظم والتشريعات والسبب هو ربانية مصدره ونبوة  منبعه .
يقول الكاتب الآيرلندي  جورج بيرنارد شو: كنت دائما ولا زلت أكن لدين محمد كل التقدير لما أرى فيه من حيوية عجيبة ، فهو كما يتضح لي ، الدين الوحيد الذي يملك القدرة على استيعاب مظاهر التغيير في الحياة ، وهذا بالتالي ما يجعل الاسلام دينا صالحا لكل زمان ، وقد قمت بدراسة شخصية ذلك الرجل الرائع ، وفي رأيي ـ وهذا لا يعني أنني ضد المسيح ـ أنه يجب أن يطلق عليه لقب " منقذ البشرية " .
لقد رسم محمد عليه الصلاة والسلام خطة شاملة شملت الأخلاق والاقتصاد والسياسة ، شملت الغيبيات بما فيها من ثواب وعقاب ، شملت كل مقومات السمو الروحي والمعنوي للإنسان ، شملت العدل بين الإنسانية وأشاعت روح الصفح والعفو حتى عن الظالم المستحق لكل أنواع العقوبات .
يقول سارجوني : إن معنى العدل هو واحد من أروع المثاليات في الإسلام ، وذلك أنني حين أقرأ القرآن ، أجد تلك المبادئ التي تملك تأثيرا مباشرا في حياتنا ، وهي على هذا ، ليست من ذلك النوع الملغز ـ المستعص على الفهم ـ ولكنها أخلاقيات تتضح بشكل عملي في سلوكنا اليومي ، علاوة على ذلك ، فإن تلك الأخلاقيات ، قابلة للتطبيق في العالم بأسره. 
لماذا الغرب المسيحي إذن يقرّ منصفوه بهذا السمو الإنساني الذي يعيشه الإسلام ويرفضون تطبيقه ؟؟؟
الجواب عن هذا من أوجه متنوعة ، ذلك أن الإسلام الحقيقي قُدّم للعالم في ثوب بالٍ ومغشوش ومشوه ، في ثوب يعتمد على الدروشة والمسكنة وثقافة زهد الهنود ، في ثوب يحمل المدافعون عنه شعارات قانية بالدماء ، في ثوب يقدّس أهله الرأي أكثر من تقديسهم للعقل ، في ثوب عقول أشربت حب التبعية والانجراف خلف كل ناعق. 
لم يكن الإسلام دين دماء وأشلاء وأيتام وأرامل ، لم يكن دينا للنفث على المخبولين والمعتوهين ، لم يكن دين سياسة فارغة من معناها الديني ومنبعها القيمي ، لم يكن دين سلب ونهب وامتصاص لدماء الفقراء والمساكين باسم الولاية والأشرفية .
علينا كأمة مسلمة أن نرجع إلى تاريخ أمتنا المجيد أيام كنا فاتحين للعقول قبل البلدان ، أيام كان الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يخرج أجرة شهرية من بيت مال المسلمين لأهل الذمة العاجزين عن تكاليف الحياة ، أيام كنا قادة الأمم والشعوب في مجال ’’ الطب والفلسفة والهندسة والفلك .
لقد شعر مسئول المستعمرات التابع للخارجية الفرنسية سنة 1952 م بهذا حيث قال  إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا مباشرا وعنيفا هو الخطر الإسلامي ، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي ، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة ، هم جديرون أن يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية ، فإذا تهيأت لهم أسباب الانتاج الصناعي في نطاقه الواسع ، انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري والثمين ، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية ،  ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ .
نعم ، قادرون على الرقي والتقدم والازدهار دون تملق ولا ذوبان ، دون انسلاخ من هويتنا الحضارية وموروثنا التاريخي ،  دون  أن نكون نسخا طبق الأصل من شعوب تنكّست للفطرة وقدمت الهوى على ينابيع الفضائل وانغمسوا في أدران الرذائل .
إن الديمقراطيات الغربية التي أصبحت آلهة تعبد من دون الله ، ما يوافق منها ديننا الحنيف  من حرية وعدالة وتعايش سلمي لا يتناقض مع مبادئ ديننا ـ كالحرية المطلقة ـ علينا أن نأخذ به، وما يخالفه من هوى وانسلاخا من الفضيلة وإباحية  فهو منبوذ ومرفوض جملة وتفصيلا .
المسيحية الحديثة مكنت للديمقراطية واحتضنتها دون أن تبدي أي تحفظ يذكر ، أما الإسلام فإنه يدعوا إلى إعمال العقل والفكر في كل ما جديد من كل ما هو مفيد  دون أن يتخلى عن ثوابته التي لا تتغير ما بقي الليل والنهار ’’ الأخلاق بكل أنواعها ، أصول التشريع وقواعدها الخاصة والعامة ، أما ما هو محل نظر وتأمل من أقضية واجتهادات وفتيا فهو حسب الزمان والمكان وقد أتاح للمجتهدين إبذال وسعهم واستفراغ جهدهم في بيان الحكم الشرعي فيه .
أما العامة والدهماء والسوقة من الناس التي تفتخر الديمقراطية الغربية بهم وتدعوا إلى أن يكون لهم دور فعال في سن القوانين والنظم العامة والمسيّرة للدولة ... هذه ثقافة ميكافيلية ’’ كيف لي أن أساوي بين من أفنى عمره في الاشتغال بالبحث العلمي والدراسات الفلسفية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية  وآخر سوقة لا يفكر إلا في مأكله ومشربه ؟؟؟
لو أن الديمقراطيون فحصوا ديمقراطيتهم وتأملوا فيها حق التأمل لعلموا أنهم عقلاء ينطقون بهذيان لا يدرون معناه أو أنهم ديماغوجيين يخاطبون عقلاء لا يدرون  الخطر الذ يحدق بهم  . 
       المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي   

0 التعليقات:

إرسال تعليق