الجمعة، 17 يناير 2014

المعهد العـــالي " الصراعات والجِهوية "

بعد زيارة من الملك " فيصل بن عبد العزيز آل سُعود " إلى موريتانيا سنة 1972م أنتجت  تأسيس إشعاعيين علمين هما الجامع السُعودي، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية.
كان الهدف من تأسيس هذا المركز هو تنمية المهارات الأكاديمية لدى طلاب المحاظر المنتشرين في تلك البقاع ، ودمجهم في الحياة اليومية المعاصرة .

وقد أشرف على هذا المعهد جمع من الأساتذة المقتدرين في مجالات الشريعة الإسلامية، مما هو واضح على الدفعات الأولى  التي تخرجت منه .
إنّ هذا المعهد كغيره من المؤسسات الموريتانية التي كُتب عليها الفساد إلى يوم التناد، والسبب قد لا يرجع في المقام الأول إلى الحكومة وإنما هو كما تكونوا يولى عليكــــم .
 أصبح هذا المعهد بعد سنوات عجاف - كشاة بفيفاء لك أو للذئب - قلّ ما يُعين وزير للشؤون الإسلامية  إلى وعين نفسه وقبيلته وأمّ عياله في هذا المركز الفوضوي،  الذي غابت عنه كل المعايير التعليمية والتربوية القديمة منها والحديثة .

يرجع بعض المراقبين الأمر إلى كونه ملحقا بوزارة الشؤون الإسلامية المفتقرة إلى الكادر الإداري المتخصص، فماليزيا مثلا دولة مسلمة ولا يشك أحد في دور "الجامعة الإسلامية الماليزية " التي أصبحت رائدة في مجال الاقتصاد الإسلامي الذي يلهث البعض وراءه اليوم بفتح دكاكين  جامعية تتبناه بأثمان باهظة.

 إنّ مشكلة المعهد العالي وللأسف ليست مشكلة نقله بالأساس  إلى جهة مّا، وإنما هي في كل مرافقه الحيوية  ... الطالب، الأستاذ، المدير، المباني   أو بلغة التربويين " الوسائل التعليمية " فمن المعلوم - عندهم - أنّ التعليم وسيلة متكاملة يشارك فيها الجميع " المدرسة، البيت، الحي.

 إنّ المناهج التعليمية في العصر الحديث تعتمد على " الأسس ـ المبادئ ـ الأهداف "وإذا اختل شيء من هذا فاحكم على هذه المؤسسة بالخراب .
 فهذا المعهد بنظرة نقدية مبنية على تخصص  يفتقد كل هذه المعايير فهو ما بين من عاش في فوضى التسرب المدرسي المبكر، والعنوسة المفرطة في مجتمع محافظ ، والتاجر " المتمصلح " والسياسي المعارض أو الموالي وأمن الدولة المتربص.

فهو من حيث المادة المقدمة للطلاب لا يعدو عن كونه " مذكّرات " معروضة في سوق  الورّاقات المجاورة  أخنى عليها الذي أخنى على لبد .
 لا مراجعة ولا تنقيح من قبل الأستاذ، يشتريها الطالب  ثُمّ يلتحق بمزرعته في روصو أو ببقره في باسكنو أو بنقابته الطلابية أو بحزبه السياسي أو بمحظرته أوبمسمكته في السبخة .
أمّا الأستاذ فليس بأحسن حالا من الطالب يتخرج منه في السنة الرابعة ثم يعود إليه كأستاذ في نفس السنة بعد تسجيله في "الوكالة المغربية " ، هذا أمثلهم طريقة ، أمّا السواد  الأعظم لا يعرف أحد تخصصه ، موظف في عدة وظائف في زمن الكساد .

إنّ على إدارة ما يسمى بجامعة لعيون الإسلامية أن تراعي إصلاح الكادر البشري بحيث أن لا تقبل غير المتمكنين  بعد امتحان من قبل لجنة من المختصين وإلا ستبقى تنفخ في رماد.
 ثمّ توفير سكن لائق للطلاب ومركز صحي ومقهى يجمعهما بالعالم الخارجي وإلا فسيبقى - الجميع -  منسيا في موريتانيا الأعماق - لا يزورهم زائر ولا يطير عليهم طائر-  أمّا النعرات الجهوية التي ناد البعض بها فهذه خارجة من قاموسنا فتحويل المعهد إلى تلك المنطقة النائية على الدولة أن لا تتراجع عنه قيد أنملة لما سيجنيه أولئك البدو الرحل من علم وثقافة ، وكذالك سيربطهم هذا بالعالم الخارجي الذي يعيشون خارجه بفعل التصحر الفكري المخيم على أذهان بعض الجِهويــيـن .
فتلك المناطق في تاريخ هذه الدولة لم تشهد نشاطا يُحتذى به  مثل هذه الجامعة  التي يحاول بعض المتصحرين فكريا أن يئدوها في مهدها مستخدمين هذه الفرصة بالنيل من " محمد بن عبد العزيز " وسياساته التي لا تروق لأكثرهم .

إنّ التعليم حق للجميع كما نادت به النُظم الدولية وشرعنا الحنيف من قبلها ، لا دخل  للسياسة في العلوم الدنيوية فضلا عن الشرعية.
 أمّا العسكرة السياسية التي يقودها البعض فمجالها الاعتصامات في الساحات العمومية المخصصة لهم ولشرطة محاربة المتعسكرين الذين لا يوالون إلا بقدر ما يدفعونه في جيوبهم الخرقاء.
 أمّا الجامعات ومراكز البحث العلمي فلا مكان للفوضى والمفوضين الإعلاميين فيها   وإذا استخدمت في الشعارات السياسية  فالأولى لها أن تسمى " مركز الحزب " .
ومع هذا الصخب الذي يعيشه البعض يبقى المعهد العالي محلّ جدل بين من يريد الرقي بهذه المؤسسة ــ التي لا نشك أنّ فيها أساتذة خيرين وطلاب علم نُجباء وفتيات مؤمنات ــ وبين من يريد أن يبقى مقبرة لموتى الأفكار الجهوية والنزعات القبلية الهدامة.  
                                المهدي بن أحمد طالب 

0 التعليقات:

إرسال تعليق