الجمعة، 17 يناير 2014

فلسفة السيــــاسة المبـــادئ والقيم

إنّ الناظر في تــاريخ السياسة الموريتانية الحديثة سيصاب بالدهشة في الوهلة الأولى، إذْ أنّ الجميع يُتقن بشيء من الحنكة هذه اللعبة التي كادت أن تصير مصدر رزقهم الوحيد.
فحديث سياسة الوصول إلى كُرسي الرئاسة وما شابَهُه هو حديث المضيف لضيفه، والتاجر في حانوته ، والخباز في مخبزته، والنجار في محل نجارته، وقد تكون موريتانيا هي البلد الوحيد الذي يمارس جميع أفراده سياسة الكرسي.
احرق شهادتك أيها الدكتور فبرلمان السياسة لا يشترطها، وأنت يا راعي الغنم والإبل ارم عن كتفيك عصا الترحال فمعاطن السياسة خير لك ولغنمك.
 يا مُنميَ الأبقار أرض السياسة لم يصبها جفاف الشرق ولم تعث بكلئها أقدام السادة المفسدين الأقدمين، وأنت ارم مجدافك أيها البحار وغُص في أعماق بحر السياسة فالصين قد كفتنا مؤنة الصيد، وأيها الجندي البطل المقدام أنت الآخر افسخ بزتك العسكرية وادخل ثكنة السياسة ، واسمع ذاك أيها الفلاح ودع الزراعة فأرض السياسة خصبة لا تسمع فيها صخب احتجاجات الجنوب ، ويا فقيه رمضان دع عنك فُروق القرافي وخلافات الحطاب والدرديري وحرر محلّ نزاع سياسة الأغلبية والمعارضة ، ويا طالب الجامعة هذا عهد "الفيس بوك " دع الدفتر والقلم و سجل في أحد الاتحادات السياسية فأنت عقلك صغير ، سخر قلمك أيها الصُحُفي وموقعك الإخباري في تشويه صور الأحزاب السياسية المعارضة فأنت سياسي ماكر وإياك من نشر مقالات من يخالفك في الفكر، يا سائق "تاكسي " حدّث الركاب عن السياسة فهي خير جليس في الزمان علي لغة متنبي معارضة الجيل الثالث، أيها الشرطي تنازل عن وظيفتك في الخليج فأنت أديب سياسي ، أيها الفنان دع مهنتك الأصلية فقد دخلها المنشدون و ادخل حلبة البرلمان السياسي فنغمتك الذهبية هناك ، تاجر أنت أيها "الجاحظ " بقضية أبناء عمك الزنوج لتحصد أصواتهم في السياسة ، وأنت يا " مانديلا " سجل حالات الإسترقاق المكذوبة واعرضها في برلمانات أوربا فأنت سياسي من نوع فرق تسُد ،اغسل لوحك أيها المحظري وخذ إجازتك بسند عالي من أفواه السياسيين ، أيتها الآنسة العانسة أسسي حزبا سياسيا فالأزواج هناك كُثر، أيها " الكواسْ " صفق لمن تحب ودافع بقلمك المأجور عن أسيادك السياسيين واضحك في وجوههم فتلك فُرصتك الوحيدة للعمل ، دع عنك التجارة في أدغال إفريقيا فتجارة السياسة خيرٌ لك من " الناموس " ، يا من رسبت في امتحانات البكالوريا مقر الحزب السياسي يسعك ويسع أمثالك ، ويا شاعر الأندلس بُح بما في جُعبتك من موشحات السياسة ، وأنتِ يا ملكة الجمال السياسي " تِبْراعْكِ " في برلمان السياسة خير لك من غسل الآواني المنزلية ، وأنت يا علامتنا الجليل دعنا نأخذ ك واجهة لحزبنا السياسي ونتستر خلفك باسم الإسلام والمسلمين لكي نكسب أصوات الناخبين . ومع هذه الصورة القاتمة فالأمر ليس على إطلاقه " البته " فهناك علَماء مُصلحين يرجع إليهم في الملّمات، وسياسيين وصُحفيين لا يشق لهم غُبار عرفوا بنضالهم الطويل، ووطنيتهم المطلقة، لا يساومون على حساب وطنهم ، قد عاشوا أفراح وأتراح هذا الوطن الغالي ، غير أن الدخَن قد أصاب الجُدُدَ منهم ، حيث خلَطوا الحابل بالنابل ، ما بين من تأثر بعبد الناصر وقوميته، وأنطوان عادة وعلمانيته، والْبناّ واخوانيته، ومــارتن لوثر كينك و عنصريته، وكارل ماركس وشيوعيته، وميشل عفلق و بعثيته.
 إنّ هذه الإيديولوجيات السياسية بدأت تتشكل في أذهان البعض ، أمّا أصحاب القرون الوسطى فالبعض منهم مكابر والبعض في سبات عميق ، همُّهم الأكبر هو الظهور في الإعلام وتشويه صورة البلد ودعم كل من يسعى في زعزعة أمن الوطن . إنّ السياسة في بلدنا وللأسف البعض يتلقاها من كلية حرب قناة " الجزيرة " وجامعة BBC البريطانية ، هذا مفهوم خاطئ ، سياسة الدنيا بالدين ليست بهذه الصورة ، فهي من منظور إسلامي تكلّم عنها " المــاوردي، وابن القيم وابن خلدون " بما لا مزيد عليهم فيه ، أما الرّعاع فعلاج العيي منهم السؤال ، لا دخل للسياسة فيه وهو عنها أحرى . وبمنظور غربي فقد أعتمدت دراسة السياسة في العصر الحديث سنة 1872م وكان ذلك في " Politiques Ecole Libre des Sciences " بباريز، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسية ، ثمّ ظهرت الجامعات الأمريكية ، وهذه الجامعات عموما تدرس سياسات الغرب التي نراها اليوم .
والسياسي المخضرم في وطننا امتحانه الأكبر هو تعارض مبادئه وقيمه " الحزب والقبيلة "، فحين يقام حفل لجيش عاش في ثكناته سنوات عجاف، يتقاعس من يبيت قرير العين، هذا لُؤمٌ سياسي، أين وطنيتك؟ وما مفهومها عندك ؟ كان على بعض ساستنا المحترمين التمييز بين "عزيز " وحفلات الجيش ، فهو صاحب مأمورية رئاسية، أما الجيش فهو باق ما بقي لكم وجود على هذا الكوكب . قد يقول البعض هذه حملة قام بها من أجل كسب الأصوات ، لكن هل زُهدُها بلغ فيكم هذه الدرجة ؟ أنتم عشتم تسعة اشهر في عراك معه ، لا تستطيعون صبر دقائق تنظرون في جيشكم الباسل ؟ أم أنكم يخيفكم ـ سلّمكم الله ـ رأيت العسكر وقد أرهبوكم حين صحبتم الرئيس إمام " زاوية " القصر؟ 
مهما يكن من شيء فقد أتيتم منكرا من الفعل، ولفظتم زورا من القول حين طالبتم الجيش بتحمل مسؤوليته فليتكم أفصحتم عن نواياكم قبل التضليل، كما فعل حماة علمانية تركيا جهارا نهارا.
بَيد أن تلك هي الوطنية في أعوام الدولة هذه، لا مشاركة فرحة ولا جلب منفعة ولكن نقد وتوبيخ وشتم وتنابز " لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ...." ولم تكن كامرات الإعلام السياسي المعارض عن ذلك ببعيد، فهي لا تصور إلا ما تسميه طرائف الاستقلال، لا تعلم بمهنيتها أن العالم يجب أن يُري ولو مرة الوجه الجميل للبلد لا مرآة لفكر سياسي معارض !
وفي هذا الخضم الهائج تبقى موريتانيا بلد مليون سيـــاسي، بدل مليون شاعر. 

                                                    المهدي بن أحمد طالب

0 التعليقات:

إرسال تعليق