الجمعة، 4 يوليو 2014

أحلام اليقظة - حديث النسيان

أحد الفصول الدراسية في إعدادية كنكوصة.
ثلاث وثلاثون ألف تلميذ يدخلون قفص المرحلة الاعدادية لعام 2014- 2015 م في موريتانيا ويودّعون لابتدائية ... أبارك لأبناء موريتانيا الغد هذه الخطوة وأتمنى لهم التوفيق والسداد.
أتذكر وأنا في تلك المرحلة قبل 17 سنة من الآن أنّي فرحت أيما فرح، ورقصت وترنّمت وأصبحت أعيش مرحلة من مراحل الزهو، حيث أصبحت أرتدي دراعة وأمشي شامخ الأنف، أقول لكل من يعترض طريقي في اعدادية كنكوصة لدي حصص من الرياضيات والفيزياء وكأني خبير نووي وأصبحت أتحدث عن الأمريكيتين بطلاقة وتاريخ الحرب العالمية وكيف هزمت ألمانيا وانعكاسات الحرب الباردة وحقيقة الصراع في البوسنة وإشكالية كشمير وحق الفلسطينيين في تقرير المصير وكثيرا ما حدثنا أستاذ التاريخ محمد ولد شامخ عن رحلته إلى الولايات المتحدة وأجوائها الجميلة.
في تلك المرحلة دهشت بمادة العلوم الطبيعية التي جاءت كبديل عن مادة دراسة الوسط التي كنا نعيشها في المرحلة لابتدائية، لقد عانيت من إشكالية التحول البايلوجي لدى الآميبا وأصبح أستاذنا سليمان يمطرنا كل صباح بالحديث عنها، وأقول في نفسي إذا كانت هذه الحشرة لا ترى بالعين المجرّدة فلماذا نعطيها هذا لاهتمام الزائد؟ كان أستاذنا مغرم بالحديث عنها وعن النباتات وفصائلها.
لقد جمعت تلك لاعدادية مختلف الأجناس البشرية وأصحاب الطبائع والأذواق المتنوعة ... تعرّفت فيها على محمد يسلم ولد البمباري ودبيته وإدوم ولد غالي وباقي الرفقاء والمشوشين. 
كان  يدرسنا  مادة التربية الإسلامية الأستاذ هدال، الذي كان يتوعدنا كل صباح بالرسوب إن نحن لم نقم بتنظيف منزله وغسل ثيابه وطهي طعامه والسعي في رغباته... كان الرجل صحراويا على طبيعته يحب البادية ويعشق السكن منعزلا عن الناس في حي (إفك) يتبّع بقراته في كل صباح ومن ثمّ يتوجه صوبنا ليردّد أبياتا من بردة البوصيري ويحدّثنا عن وقائع بدر الكبرى... كان الرجل يعيش طبيعة خاصة ويلقى ترحيبا من أبناء المقاطعة وأستاتذتها وشيوخها وكثيرا ما حدّثنا عن رحلته إلى السعودية. 
كان يدرسنا مادة الرياضيات الأستاذ إدوم والذي كان ينهمك هو الآخر في شرح المعادلات والأشكال الهندسية وكيفية حساب المساحات وطرق معرفة المجهول (س وص) من كل معادلة. 
كان رجلا خيّرا من أبناء المقاطعة يحب لهم التفوق في لامتحانات ويسعى في تذليل الصعاب أمامهم، ومن ذلك أنّه لما وصلنا إلى السنة الثالثة من لاعدادية وعدنا بتقديم دروس مسائية مقابل مبلغ رمزي يدفعه كل منا، وقد أخذني الفضول لحضور درسا من دروسه وبعد خروج انتهاء حصته، خرجت وأنا أعيش بين الخوف والرجاء، وبعد وصولي إلى بيت أهلي شاهدني أستاذي - الطيب - سليمان واستفسر عن حصص زميله التي وعدنا بتقديمها، قلت له أني حضرتها وكدّر صفوها لاشتراك شهري، فسقط مغشيا عليه من الضحك، ووعدني هو الآخر بتقديم تلك الحصص في بيته دون أي مقابل، الأمر الذي جعلني اهتم بهذه المادة. 
أتذكر - كذلك - الأستاذ محمودا الذي درّسنا مادة العلوم في السنة الثانية، وكان رجلا يتميّز بطبع خاص، حيث الجدية والنشاط وغرائب الألفاظ، كان رجلا ظريفا يحب النكت والحديث عن شوارع القاهرة. 
أتذكر مُراقبها (علي سوكابه)، الذي كان يدق الجرس في كل صباح، ويخدمنا بشايه العذب وقت الفسحة الصباحية.  أتذكر مدير تلك لاعدادية - حينها - لمليح ولد العيد، الإمام العادل - نحسبه - صاحب الصوت الشجي والقراءة المجودة والمرتلة، لقد كان الرجل يتفقدنا كل صباح، ويحاسب الموظفين والأستاذة على أي تأخر، بل إنّ الرجل يحسب له النقلة النوعية التي حدثت لتلك المؤسسة الواقعة في غابة من شجر الغرقد. 
لقد عشت في تلك الاعدادية مرحلة خاصة لها وقعها المميز في ذاكرتي، حيث تعرفتها على أصدقاء وزملاء عشت معهم قبلها وبعدها لسنوات، تشع بالسكينة والوقاروالحبور.  
وبعد أن تجاوزت تلك المرحلة عرفت أني ما زلت في بداية الطريق وأنّ ما كنت أتحدث عنه مجرّد أضغاث أحلام/المهدي بن أحمد طالب 



0 التعليقات:

إرسال تعليق